الدكتور العياشي الفرفار يكتب: “صوفيا ونوفل وحكاية التحول الجندري”

الدكتور العياشي الفرفار يكتب: “صوفيا ونوفل وحكاية التحول الجندري”

الدكتور العياشي الفرفار- أستاذ جامعي ونائب برلماني

ازدحام الصور والفيديوهات لعملية انتقال جاندري من صوفيا الى نوفل!
مشاهد احتفالية باذخة ثم الاعداد لها بشكل جيد و بتكلفة مالية تبدو مكلفة، مشاهد فرح تبدو غير طبيعية، وحده العلم المغربي يبدو شديد الاحمرار، الخجل من سياقات لا تليق به.
حجم التفاعل مع الحدث كان رهيبا، هو امر متوقع في زمن سيطرة التفاهة على حد تعبير المفكر الكندي الان دونو، التخطيط الدقيق أمر مدروس، ثقافة الادسنس التي لا تعترف الا بعدد المشاهدات والتسابق على الارقام ومن يصنع الترندات!
لا يوجد قرار كامل الصواب وفق نظرية العقلانية المحدودة، لذا وقعت مفاجاة قللت من الاحتفالية بالانتقال الجندري، مفاجاة صنعها الياس المالكي ودوري الملوك كما يتداوله الاعلام و حجم المتابعة الاعلامية وتعطش فئات كبيرة للانتصارات في اطار بناء توازنات نفسية في سياق اجتماعي صعب.
مشهد استوقفني، شاب يقدم نفسه كداعية جديد وفقيه شاشة يتحدث عن “توبة عظيمة لمتحول جنسي” واعتبارها فتح من السماء! والكثير من عبارات المديح والتعظيم، يبدو ان الفقيه يجتهد لدخول عالم المنافسة في فضاءات الادسنس عبر توظيف رأسمال الخطاب الديني ورمزيته.
خطورة داعية الشاشة اكبر من خطورة حكاية صوفيا / نوفل، لان هذا الاخير تصرف فيما يملك، في جسده حسب السياقات والظروف والحاجة، ربما نوفل فهم ان الرجولة في المغرب غير منتجة وصعبة لذا قرر لتخلي عن الذكورة المكلفة نحو الانوثة المذرة للربح، وان الطريق الى المال يكون سهلا عبر الجسد وتغيير تضاريسه! اما فقيه الشاشة فقد استغل الجانب الديني من اجل هدف شخصي.

موضوع الحكاية تشكل لحظة لدراسة احدى مراسيم العبور من صوفيا الى نوفل، هي مراسيم اريد لها ان تكون احتفالية.
في مشهد الاحتفال رجل بدين مشهور ببداءاته اللفظية وبتحريك بطنه، يحتضن صوفيا بشغف ويدعو لنوفل بالهداية، اما حركات يده فتسري فيها رعشة ايروسية للالتهام.
مراسيم العبور ليس سهلة وليست فجائية، وانما هي نتيجة فعل مؤسسات، فالعبور الى عالم الرجال – عالم صعب وقاسي لا يدرك قيمته الا من يعمل بعرق جينينه تحت عتبة الحاجة والخصاص! والرجولة هنا ليس جنسا وانما موقف داخل المجتمع نتذكر حكاية الطفل الذي صاح في وجه ابيه دائم الجلوس بالمنزل: متى تصبح رجلا مثل امي ياأبي؟.
الموضوع ليس بسيطا، بقدر ما هو مؤشر مهم على حجم التحولات التي مست روابط وبنيات المجتمع المغربي في زمن العولمة والحدود المفتوحة.
قد نحتاح الى الاستعانة بخدمات سيمون دي بوفوار لاسيما كتابها “الجنس الثاني”، الذي حولت المبدأ الوجودي: الوجود يسبق الجوهر إلى شعار نسوي: “لا يولد الإنسان إمرأة، بل يصبح إمرأة” on ne naît pas femme, on le devient”). من اجل فهم سياقات الانتقال من الجنس الى الجندر.

لذا فالحكاية هي مجرد طقس افتراضي في فضاءات الأدسنس والبحث عن المزيد من النور لمن يعيش ظلاما داخليا.
من صوفيا الى نوفل ليس انتقالا عقديا وايمانيا، بقدر ماهو انتقال عكسي من الجندر الى الجنس!

نوفل ولد ذكرا واصبح انثى في عملية تحول مذرة للدخل، بعد تحقيق الهدف من التحول وتحقيق كافة الاشباعات، وصل صوفيا الى لحظة الاشباع الكلي والاغراق الذي يقتل اللذة ونظرية سيجموند فرويد يمكن ان تساعدنا في فهم اليات التفاعل والصراع بين الهو والانا الاعلى.

فالانتقال من صوفيا الى نوفل ليس توبة كما اشاع ذلك فقهاء الفيس بوك لان فعل التوبة هو فعل شرعي له قواعد وشروط مؤطرة بالشرع والشريعة وليس بين احضان نيبا.
الانتقال من متعة الانوثة / صوفيا الى متعة الذكورة / نوفل هو انتقال تحركه قوانين واليات التفاعل اللاشعوري، لان الانغماس الكلي في اللذة يقتل اللذة، والتحرر من كافة القيود والاعراف والقيم الاجتماعية والاخلاقية والدينية يفقد الحياة مذاقها، في هذه اللحظة لم تعد الغرائز تنتج لذة، لذا قرر ت صوفيا الانتقال الى حيث توجد لذة اخرى في مكان اخر لذا قرر استعادة جنسه نوفل الذكر !
صوفيا، المنكسرة والذليلة والتي انهارت تحت سلطة من يدفع قررت، استعادة ذكورتها، كالية دفاعية اولا للانتقام من لحظات الضعف والانكسار التي عاشتها امام الذكور.
الانتقال نحو نوفل هو فعل نفسي لاستعادة الكبرياء المجروح وكشرط للعودة للمجتمع و للاسرة و للدين .
يبدو ان اللذة في زمن المولينكس اصبحت فعلا تجاريا مذرا للثروة، والنتيجة جني الارباح بقدر طحن القيم والاعراف الجامعة وسحقها.
صوفيا ادركت ان عالم الرجال هو عالم صعب وغير منتج للمال، وان الجسد هو الطريق السريع لتحقيق ذلك، لذا انخرط في مشروع للانتقال الجندري، هو ما يكشف التزايد الكبير لإعداد الجنس الثالث والإقبال المرتفع وبمعدلات قياسية على صفحات الشواذ.
صوفيا التي قررت الانتقال الجندري الى نوفل لاستعادة ذكورتها، كان ذلك كفعل لجوء الى مخبأ الذكورة باعتباره نوع من الحماية من عوائد الزمن وترهل الجسد!
اعتقد ان التحول الجندري ابعد مايكون عن فعل توبة بقدر ماهو قرار ذكي واستباقي بعد ان ادركت صوفيا – بعد دراسة دقيقة للسوق والذات والواقع – ان الجسد لم يعد يملك فرص البقاء في سوق الجسد الشديد المنافسة، لاسيما مع وفرة العرض و ارتفاع الجودة، ربما مع الخوف من الخطر القادم من امريكيا بعد فوز ترامب الذي ادخل الخوف في نفوس المتحولين.

videossloader مشاهدة المزيد ←