صحيفة “لوموند”: المساهمة الإبرائية في المغرب تحقق رقمًا قياسيًا
المساهمة الإبرائية التي أطلقتها الحكومة المغربية فاعليتها الكبيرة في تعزيز العائدات الضريبية، حيث نجحت في جمع نحو 100 مليار درهم (ما يعادل 9.6 مليار يورو) في عام 2024.
هذا المبلغ يتجاوز التوقعات بشكل ملحوظ، ويعتبر الأعلى في تاريخ العمليات الضريبية المماثلة في المغرب، مما جذب اهتمام الصحافة الدولية، لا سيما صحيفة لوموند الفرنسية التي تابعت الموضوع بتفصيل دقيق.
بحسب تقرير الصحيفة الفرنسية، فإن المبلغ المحصل من هذه المبادرة يعادل عشرين مرة المبالغ التي تم جمعها في العفو الضريبي الذي جرى في عام 2020، وهو ما يعكس التحسن الكبير في قدرة الحكومة على إقناع الأفراد والشركات بتسوية أوضاعهم الضريبية. وقد جاءت هذه المبادرة في وقت حساس، حيث تسعى الحكومة المغربية إلى محاربة التهرب الضريبي وتنظيم الاقتصاد غير المهيكل، الذي يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الوطني.
أحد أبرز نتائج هذه المبادرة هو التحول الكبير في كيفية حفظ الأموال، حيث تم تحويل حوالي 60 مليار درهم من الاقتصاد غير الرسمي إلى النظام المصرفي. هذا المبلغ يمثل جزءًا كبيرًا من المجموع الإجمالي الذي تم تحصيله، مما يعكس نجاحًا في استقطاب الأموال من مصادر غير موثوقة سابقًا. هذه الأموال المحولة إلى الودائع البنكية تساهم في تقوية النظام المالي للمغرب وتحقيق الاستقرار المالي على المدى الطويل.
تستهدف المبادرة بشكل خاص الأفراد والشركات الصغيرة الذين قد يجدون في هذا العفو فرصة لتسوية وضعهم الضريبي، دون التعرض للعقوبات المالية. وفقًا للتقرير، قدم نحو 10,000 شخص تصاريح عفوية، وهو ما يعكس رغبة قوية من هؤلاء الأفراد والشركات لتسوية أوضاعهم المالية مع الدولة. المبالغ المصرح بها تراوحت بين 4 ملايين درهم في المتوسط، بينما سجل أحد الأفراد مبلغًا قياسيًا قدره 280 مليون درهم، وهو ما يعكس تنوع الفئات المستفيدة من هذه العملية.
من خلال هذه المبادرة، لم تكن الحكومة المغربية تهدف فقط إلى جمع أموال إضافية لخزينة الدولة، بل أيضًا إلى تنظيم الاقتصاد غير المهيكل، الذي يشكل جزءًا كبيرًا من النشاط الاقتصادي في البلاد. الخبراء الماليون يؤكدون أن هذه الخطوة ستكون لها انعكاسات إيجابية على المدى البعيد، حيث ستساهم في تقليل التهرب الضريبي، وتعزيز العدالة الضريبية، وتقليص الفوارق الاقتصادية في المجتمع.
ورغم أن العفو الضريبي في المغرب حقق نتائج مذهلة، فإنه من المفيد مقارنته بالعفو الضريبي الفرنسي الذي تم تطبيقه بين 2014 و2017، وجمع نحو 32 مليار يورو. بينما تظل الأرقام المغربية أقل بكثير من نظيرتها في فرنسا، إلا أن سرعة التحصيل والمبالغ الكبيرة التي تم جمعها في وقت قياسي في المغرب تُعد مؤشرًا على نجاح المبادرة. هذا النجاح يعكس التزام الحكومة المغربية بتنظيم النظام الضريبي وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المحلية.
من المتوقع أن تواصل المساهمة الإبرائية نتائج إيجابية في المستقبل، حيث تتجه الحكومة المغربية نحو تقليص المبالغ غير المصرح بها وتعزيز بيئة اقتصادية أكثر شفافية وعدالة. هذه المبادرة تسهم في تحسين الثقة بين المواطنين والدولة، وهو أمر أساسي في بناء اقتصاد مستدام وموثوق. ومن المتوقع أن تؤدي هذه الخطوة إلى تحسين تصنيف المغرب على الصعيدين الاقتصادي والمالي في المستقبل القريب.
لقد أحدثت المساهمة الإبرائية في المغرب تحولًا إيجابيًا في العلاقة بين الحكومة والمواطنين، مع تحقيق نتائج غير مسبوقة على صعيد العائدات الضريبية. من خلال هذه المبادرة، يخطو المغرب خطوة هامة نحو اقتصاد أكثر تنظيمًا وعدالة، ما يجعلها تجربة يُحتذى بها في المنطقة، بل وحتى على مستوى دول أخرى.