وقد شكلت أوضاع التدهور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، التي تعرفها الجزائر، مدخلا لحالة من الغليان الشعبي جسدها الحراك الشعبي الجزائري، في عدة انتفاضات شعبية قادها الشباب ضد البؤس والقهر والظلم الاجتماعي، الذي طال الشعب المغلوب على أمره نتيجة بؤس الحياة، ولعل أشهر الحركات الاحتجاجية الشعبية العنيفة أحداث «الربيع القبائلي»، التي اندلعت في أبريل عام 1980، والتي استعمل فيها النظام العسكري الجزائري أقسى درجات العنف، وبعد ذلك تلتها انتفاضة سكان قسنطينة عام 1988 واحتجاجات 18 أبريل 2001 بعد مقتل الشاب ماسينسا قرباح على يد قوات الدرك الوطني حيث راح ضحيتها ما لا يقل عن 70 من الشباب إضافة إلى مئات الجرحى والموقوفين وكان من نتائجها تشكيل تنظيم شعبي جديد: «تنسيقية العروش» في يونيو 2001، دون أن ننسى احتجاجات يناير 2011 التي امتدت من أحياء وهران الفقيرة لتشمل باقي المدن الجزائرية، واحتجاجات 2019 التي واجهها النظام العسكري الجزائري بقمع شديد.
اليوم، وفي حمأة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وانسداد أفق الحياة، أطلق نشطاء جزائريون هاشتاغ «مانيش راضي»، لإنهاء الاحتجاز الذي يفرضه النظام العسكري الطاعن في السن على حقوقهم وطموحاتهم وأحلامهم.
إنها صرخة المستضعفين التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تجاه نظام عسكري دموي لا يستطيع ضمان النمو الاقتصادي أو أي توزيع عادل للسلع الاجتماعية، ناهيك عن تنامي حالة من ازدواجية المسؤولية الأمنية حيث تتمتع جهة بسلطة تضاهي سلطة الدولة ووجود حالة من عدم الاستقرار السياسي خاصة على المستوى المؤسساتي واستمرار تدهور الاقتصاد الوطني بالإضافة إلى ازدياد معدلات الفساد… وتلك عوامل تشكل نقطة البداية في حلقة الفشل والانهيار.
ثمة سخط شعبي واسع النطاق يجسده الحراك الاجتماعي الذي يطالب بحكم مدني وعدالة اجتماعية وعدم إقصاء الكفاءات وتهميش النخب مع ضعف القدرة الشرائية وندرة المواد الغذائية وتبذير أموال الشعب الجزائري الشقيق بملايير الدولارات على قضية خاسرة لا تهمه، لكن النظام العسكري المقامر، وكما في رواية المقامر لدوستوفسكي، فقد صوابه وألقت به مشاعر من شدة الحماسة لم يكن يستطيع مقاومتها… إنه لم يكن يقامر بكل المال الذي كان يملكه بل بحياته أيضا، والنظام الجزائري المقامر يقامر الآن بمستقبل شعبه وثروته من أجل قضية خاسرة من أجل محاربة طواحين الهواء… ةبينما الآلاف من الأشقاء يصطفون في طوابير طويلة من أجل لتر من الحليب، بل إنهم في بعض الولايات يصطفون من أجل الماء، مع العلم أنه كان من المنطقي أن تكون الجزائر الشقيقة في مصاف دول يعطى بها المثال في النمو والتقدم.
لقد راهنوا وقامروا، وتناسوا أن حبل الكذب قصير لأننا نعيش عصر عولمة المعلومة، وراهنوا على بن بطوش وتوهموا أنه الفارس المغوار، وهذا ما يذكرنا برواية الدون كيشوت الذي توهم أنه في مهمة مقدسة، حين أدى به الهوس الشديد بخيالاته إلى فقدان صوابه وانتهى به المطاف إلى الجنون.