الدكتور العياشي الفرفار يكتب: احداث الفنيدق.. مفارقة ان يصبح السري علنيا
الدكتور العياشي الفرفار- استاذ جامعي
يبدو الأمر مثيرا للانتباه هذا التحول المفاجئ، الانتقال من الشئ الى نقيضه (استبعد هنا قانون التحول الكمي الكيفي حسب التصور الماركسي).
الفهم الجيد مرتبط بالمقارنة، والتاريخ يمنحنا شواهد ووقائع للكثير من الانتقالات من السري الى العلني، دعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي وكل الحركات التحررية بالعالم.
يبدو ان منطق الانتقال من السري الى العلني هو منطق التحول في ميزان القوة، فالسرية قد تكون استراتيجية وفق تصورات ميشيل كروزييه في مفهوم الفاعل الاستراتيجي ذاك الذي يخفي أكثر ما يُظهر (الرجوع إلى هذا المفهوم الوارد في كتاب الفاعل والنظام).
واقعة الفنيدق، تعكس لحظة الخروج من تجربة الهجرة السرية والتي تتم في الظلام، وخلسة عن الجميع الى تحدي مباشر ومفتوح مع الدولة وهو مؤشر في غاية الخطورة.
الامر يطرح الكثير من الاسئلة التأسيسية لهذا التحول، ماهي اسس هذا التحول ؟
في غياب معطيات كافية عن الموضوع يمكن وضع مجموعة من الفرضيات حول طبيعة الفعل واسبابه، وهو أمر يحتاج الى ابحاث وتجميع معطيات كافية من اجل التحقق من صلاحية اي فرضية، لكن وباستقراء مجموع من المؤشرات يمكن التوقف عند بعض الملاحظات الاساسية.
يبدو ان الانتقال من السري الى العلني واعلان التحدي والعصيان المدني ومواجهة السلطات العمومية يقوي فرضية يد خفية عملت على استثمار ازمة الهشاشة لمجموع الحالمين بفرص حياة افضل.
مؤشرات الأولية لهذا الاستنتاج مايلي:
اولا: ان المهاجر السري يعرف ان أهم شرط السرية هو الشرط المؤسس لنجاح رحلته، غالبا ما تكون الرحلة ليلا وفي أيام العطل.
ثانيا: ان تجار الهجرة السرية هم الخاسرون، لان الهجرة الجماعية وفي واضح النهار وباشعار قبلي ودعوة مفتوحة تعني فشل مشروعهم وانهيار سوق الهجرة السرية.
ثالثا: ان الفعل الذي ثم التسوسق له بكثافة وعبر حملات مدفوعة الثمن، هو أقرب إلى فعل مسرحي من اجل تسويق صورة سيئة عن المغرب، أنه بلد يفر ابناءه منه ! لاسيما بعد الصورة الايجابية التي جسدها المهاجرين المغاربة في دعم المجتمع والدولة أثناء جائحة كورونا وفي في زلزال الحوز.
رابعا: ان الجهة التي تقف وراء هذا الحدث تهدف إلى خلق بؤر توثر بين السلطات العمومية والشباب الراغب في الهجرة، وأن السلطات المغربية قامت بتهجير 60 جزائريا وتونسيا متورطين في هذه الحملة.
خامسا: هناك سوابق لخلق بؤر توثر بين المغرب وإسبانيا لاسيما بعد التقارب الاستراتيجي المغربي الإسباني والاعتراف هذه الأخيرة بمغربية الصحراء.
سادسا: الجهة المتورطة في أحداث الريف والتي وافقت خلال السنة الجارية على انشاء مكتب تمثيل جمهورية وهمية جديدة للريف، تعتبر خلق بؤر توثر للمغرب انجازا ذا اولوية لنظام يستمر بتصدير ازماته، لاسيما في ظل أزمة داخلية خانقة عكستها نسبة التصويت على رئيس بدون شرعية سياسية ولكن بشرعية عسكرية.
سابعا: من يريد ان يهاجر يفكر لوحده، والتحدي الوحيد الذي ينتصب أمامه هو كيف يجتاز البحر وليس رمي السلطات العمومية بالحجارة وتوثيق ذلك وتسويقه بكثافة.
ما وقع ليس فعلا عاديا، لشباب مهمش يبحت عن حياة افضل، لكنه فعل مسرحي من اجل تسويق صورة سيئة عن المغرب.
من جهة ثانية موضوع الهجرة ليس موضوعا جغرافيا محصورا بمنطقة دون أخرى، ولا يرتبط بعامل وحيد (هجرة الكفاءات وهجرة الأموال، هجرة الرياضيين، هجرة العلماء، هجرة الفنانين، هجرة الشواذ، هجرة الافكار، هجرة الطيور)، الهجرة ليست حدثا بسيطا، وأعتقد أن كل تبسيط سيعقد عملية الفهم. مؤشرات للتفكير في الحدث: التعبئة القبلية عبر شبكات التواصل، الانتقال من السري إلى العلني، مفارقات هجرة سرية/ علنية، تورط النظام للجار الشرقي في أحداث مماثلة، تعدد جنسيات المعنيين، كثرة الأطفال القاصرين، شبكات الأمان الاجتماعي، وضعف الرقابة الأسرية اعتقد كلها مؤشرات أساسية اضافة الى مؤشرات أخرى ضرورية من اجل صورة أعمق.
كل التوقعات تؤكد ان الهجرة لم تتوقف، لن تتوقف الأرقام تؤكد أن القرن 21 سيكون قرن الشعوب المتحركة على حد تعبير انطونيو غو تيريس.
طابع الهجرة كان ياخذ دائما طابعا ورهانا شخصيا وغالبا ما يتم في سرية وفي الكثير من الأحيان دون علم الأباء خوفا من الاعتراض، لكن أن يتم تنظيم حملة مجهولة المصدر في وقت يعيش فيه نظام العسكر أزمة مصداقية بسبب الانتخابات الأخيرة فإن المنطق يفرض طرح السؤال التالي: في مصلحة من هذه الحملة الاعلامية ؟ ما هي الارباح من حملة مؤقتة هدفها التشويش وصرف الانظار عن مشاكل داخلية ؟
من يريد مساعدة شاب يبحث عن امل لا بكون بكشف اللحظة وأنها باخفائها لأن رحلة ذات طابع سري.
يبدو ان هناك بداية تشكل أزمة عميقة لن تحسم بالسلاح أو بالاسلاك الشائكة، انها أزمة التنمية وأزمة اقتصاد وازمة ماء.
الغرب يدفع ثمن استنزافه لخيرات الجنوب والنتيجة مواجهة ليست بين الأنظمة، لكن بين الشعوب التي قررت التنقل نحو مصادر الحياة.