لقد شابتها تقلبات وتوترات في كثير من المحطات، لكن ثمة درس نتعلمه من هذه الأزمات أن الرغبة في علاقات أفضل وأقوى وأوضح وأمتن تظل دائما هي الأقوى دائما وأبدا.
ثمة عبارة حكيمة قالها فرانسوا هولاند أثناء زيارته الأخيرة للرباط في معرض تعليقه على علاقات بلاده مع المغرب أن تلك العلاقات «يجب أن تتحسن بالعمل على تجاوز سوء الفهم وتخطي هذه المرحلة الصعبة».
تصريح اعتبره المراقبون إشارة إيجابية تروم إحداث طفرة نوعية في نسيج العلاقات الثنائية بين البلدين، وهو تصريح يحتاج إلى أفعال حقيقية لأن على فرنسا أن تكون شجاعة في الإعلان عن قرارها النهائي حول قضية الصحراء المغربية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا، وأيضا فتح قنصلية فرنسية في الأقاليم الجنوبية.
أولى الإشارات الإيجابية من فرنسا أعلنها وزير الخارجية الفرنسي أثناء زيارته للمغرب أن «هناك رابطا استثنائيا بين فرنسا والمغرب» وأضاف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «يريد لهذا الرابط أن يظل فريدا من نوعه ويتعمق أكثر خلال الأشهر المقبلة».
هذا التعمق في العلاقات بين البلدين سيوضحه بشكل جلي السفير الفرنسي في الرباط كريشوف لوكورتييه في محاضرة حول آفاق العلاقات بين المغرب وفرنسا حيث أكد أنه سيكون من «الوهم وعدم الاحترام الاعتقاد بأنه بإمكاننا بناء مستقبل مشترك مع المغرب دون توضيح موقف فرنسا من مسألة الصحراء المغربية».
إن فرنسا تعي جيدا أن المغرب حليف تقليدي ولا يمكن التفريط في علاقات جيدة معه مما هيأ لبداية فصل جديد في العلاقات المغربية الفرنسية من شأنه أن يتصالح مع التاريخ والجغرافيا الحقيقين ليكون انتصارا لعمق الروابط وللمصالح العليا بين البلدين، هاته المصالح وكما تعلمنا على أيدي علماء الجيوبوليتيك والكثير منهم فرنسيون، أنها لا تستقيم إلا على خطين متوازيين.
إن هذا التحول قرين بـ«البراغماتية» التي تكلم عنها رئيس الدبلوماسية الفرنسي خلال زيارته للرباط سيما وأنه تحدث عن خارطة طريق تمتد لثلاثين سنة المقبلة وقرين كذلك بمصطلح «التبصر»، حيث أكد على أنه «يجب أن نرى التحديات المقبلة بالكثير من التبصر حتى نجاري العالم الذي يتحول بسرعة».
مصطلح «التبصر» يستشف منه أن فرنسا أدركت أن المغرب أصبح قوة إقليمية صاعدة والمبادرات التي أطلقها سواء في غرب إفريقيا أو بدول الساحل أو دول الأطلسي أو في علاقته المتعددة الأقطاب مع القوى العظمى تفرض ضرورة التحلي بالواقعية السياسية، وبالتالي إن التبصر لم يأت صدفة أو عبثا في سياق الكلام، وإنما إدراكا لمكانة المغرب الدولية والإقليمية اقتصاديا وسياسيا، كما أنه ليس من الواقعية السياسية الانسياق وراء نظام عسكري فاشي يقود بلاده إلى الخراب.
ومادام الشيء بالشيء يذكر، حري بنا أن نتطرق إلى تصريح وزير الخارجية المغربي الذي أكد، حين استقباله وزير الخارجية الفرنسي، أن المملكة المغربية أصبحت قطبا أساسيا في المنطقة وفاعلا مهما في المنتظم الدولي بفضل الإصلاحات التي قام بها الملك محمد السادس حيث تقدم فرصا كبيرة لشركائها، وصارت شريكا مطلوبا من قبل العديد من القوى الدولية، مؤكدا على مبدأي «الثقة» و«الاحترام المتبادل».
للتجاوب مع هذه الفرص، وافقت السلطات الفرنسية على عملية الاستثمار الفرنسي الرسمي في الصحراء المغربية، وهو مامثل اعترافا اقتصاديا وخطوة أولى نحو الاعتراف الرسمي.
بعد ذلك، عرفت علاقة البلدين خطوات وخطوات تجسدت حاليا في القرار الفرنسي الاعتراف الفرنسي الصريح والرسمي بمغربية الصحراء، واعتبار الحكم الذاتي الحل الوحيد والأوحد لحل النزاع المفتعل، حيث أن فرنسا العضو في مجلس الأمن الدولي ستوزع مذكرة على أعضاء مجلس الأمن تعلن من خلالها لجميع الأعضاء الاعتراف بمغربية الصحراء، كما يتعين على رئيس مجلس الأمن تعميم وثيقة الاعتراف الفرنسية بمغربية الصحراء على جميع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين بمن فيهم الجزائر، وسيصبح قرارا واعترافا رسميا من دولة في قضية معروضة على مجلس الأمن.
إن الرسالة الموجهة من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس، تزامنا مع تخليد الذكرى الـ25 لعيد العرش، والتي أعلن من خلالها رسميا أن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية» وأن بلاده «تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي» وأن هناك «توافقا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر».
إن مضمون هذه الرسالة التاريخية سيكون لها ما بعدها وتعكس تطورا بالغ الدلالة في مشروعية الموقف المغربي، كما تعكس الرؤية السديدة والدبلوماسية الحكيمة لملك البلاد، وعمق الروابط بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية.