الدكتور محمد بنطلحة الدكالي: قرارات جلالة الملك الشجاعة تضع المغرب في مصاف الدول المتحضرة

الدكتور محمد بنطلحة الدكالي: قرارات جلالة الملك الشجاعة تضع المغرب في مصاف الدول المتحضرة

أكد محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن الملك محمد السادس أبان، منذ توليه العرش، عن رؤية ثاقبة وسياسات فعالة وقرارات وطنية ودولية شجاعة حفظت للمغرب مكانته فى مصاف الدول المتحضرة.

وأوضح بنطلحة، وهو أيضا رئيس المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، التابع لجامعة القاضي عياض، أن «المغرب استطاع بفضل جلالته وضع برامج تنموية مستدامة تمكن من الاندماج الفعلي في مشاريع اقتصادية مدرة للدخل وفك الهشاشة والتهميش والإقصاء».

وتحدث بنطلحة عن ورش الجهوية المتقدمة ومستقبل التنمية والتقدم الإيجابي لقضية الوحدة الترابية منذ اقتراح مخطط الحكم الذاتي من قبل المغرب سنة 2007، وأهمية الترافع القانوني والأكاديمي في دحض الطروحات التي يرددها خصوم قضية الصحراء المغربية.

وللحديث، بعمق، عن هذه المواضيع، تزامنا مع قرب احتفال المملكة المغربية بالذكرى الـ25 لتولي الملك محمد السادس عرش الحُكم، أجرى Le360 حوارا مع الأستاذ محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء.

يشكل عيد العرش مناسبة لتسليط الضوء على ما تحقق من مكتسبات خلال السنوات الأخيرة، في نظرك ما هي أهم الإصلاحات التي قادها الملك وأحدثت تحولات عميقة في مختلف مناحي الحياة بالمغرب؟

عرف المغرب، في ظل قيادة جلالة الملك محمد السادس، تطورا في جل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما بوّء المغرب مكانة محورية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالتالي فإن مسيرة الإصلاح التي يقودها جلالة الملك، هي معركة تغيير مستمرة من أجل تحقيق الأفضل ومواجهة التحديات في عالم حافل بالمتغيرات، حيث أبان جلالته منذ توليه العرش عن رؤية ثاقبة وسياسات فعالة وقرارات وطنية ودولية شجاعة حفظت للمغرب مكانته فى مصاف الدول المتحضرة. وبفضل عبقرية جلالة الملك، استطاعت بلادنا أن تشق الطريق باستمرار وانتظام لتخطو خطوات حثيثة على درب الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي جعلت من المغرب استثناء فريدا على مستوى شمال إفريقيا، بعد العاصفة التي أودت بجل الدول العربية في المنطقة وهددت كيانها ووحدتها وسيادتها.

ومنذ وصوله للحكم، كان جلالته حريصا على جعل مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي أولوية تتصدر اهتماماته، إذ جعل من دعم الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها ودعم آليات اشتغالها، في إطار دولة الحق والقانون، خيارا استراتيجيا يندرج في إطار مشروع إصلاحي شامل يرتكز بالأساس على تحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي الوطني وتأهيله. فعلى الصعيد السياسي، أرسى جلالته منذ توليه العرش مفهوما جديدا للسلطة حيث وضع الخطوط العريضة لذلك في الخطاب الذي وجهه يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، مما مكن من ضمان حماية الحريات الفردية والجماعية وصيانة حقوق المواطنين، حيث حرص جلالة الملك على أن لا يكون إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، وإنما هو مذهب في الحكم مطبوع بالتفعيل المستمر والالتزام الدائم بروحه ومنطقه، وليس تصورا جزئيا يقتصر على الإدارة الترابية وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، ووفقا للمفهوم الجديد للسلطة أصبحنا أمام ربط المسؤولية بالمحاسبة.

وشكل دستور 2011 تعاقدا جديدا بين العرش والشعب، يضمن استقلال القضاء وتعزيز الحقوق والحريات، حيث أصبحت مؤسسات حماية حقوق الإنسان دستورية، كما أعطى جلالته أهمية كبرى للنهوض بشؤون المرأة عندما أقر قانون الأسرة الجديد سنة 2004 بشكل عزز دور المرأة بفضل الإصلاحات الهامة والرائدة التي شهدتها القوانين والسياسات العامة بالمغرب من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق المرأة في كل مناحي الحياة المجتمعية، كما ساهم دستور 2011 في تكريس الطابع الدستوري التعددي للهوية المغربية الموحدة والغنية بتنوع روافدها وترسيخ دولة الجق والقانون وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارساتها وتعزيز منظومة حقوق الإنسان والارتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة وتوطيد وسمو الدستور وترسيخ مبدأ فصل السلط وتوازنها وإيجاد برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة وحكومة منتخبة معبرة عن الإرادة الشعبية من خلال صناديق الاقتراع وتعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين بتقوية الأحزاب السياسية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني وتقوية آليات تخليق الحياة العامة ودسترة هيئات الحكامة الجيدة والانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية.

كما شهدت المملكة في ظل القيادة الرشيدة لجلالة الملك سلسلة مترابطة من الأوراش التنموية المستدامة، شملت مختلف المجالات والقطاعات بالدولة، وشكلت هندسة اجتماعية تضامنية شاملة الرؤى تتوخى في جوهرها جعل المواطن ضمن الأولوية الكبرى في مسلسل الإصلاح الشامل، والهدف الأساسي للنهوض بالعنصر البشري ببلادنا، رسخ من خلالها جلالته مبادئ التضامن والتكافل والتآزر الاجتماعي، برؤية ملكية تضامنية للمجال الاجتماعي والاقتصادي حيث اعتمدت أحدث النظم والأساليب التدبيرية، وذلك من خلال وضع أهداف واضحة تتسم بالانسجام والفعالية والنجاعة والملائمة مع القدرة على التأثير وتحديد دقيق للمؤشرات كل ذلك وفق آلية الحكامة المجالية، واستطاع المغرب بفضل جلالته وضع برامج تنموية مستدامة تمكن من الاندماج الفعلي في مشاريع اقتصادية مدرة للدخل وفك الهشاشة والتهميش والإقصاء، عبر إحداث المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي ظلت مستمرة في مختلف المحطات ومواكبة في جميع التحولات الاجتماعية والاقتصادية، حيث تمكنت مند أزيد من 15 سنة على إحداثها برؤية متبصرة واستشرافية لجلالته أن تحظى بإشادة المنتظم الدولي، لما لعبته من أدور أساسية وفعالة في خلق آلية للتعاون والتضامن المجتمعي واسعة النطاق. وعلى المستوى الاقتصادي، تميزت مرحلة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بقيادة العديد من المشاريع الكبرى منها ما هو مرتبط بمشاريع البنى التحتية (الطرق، المواني، المطارات، القطار فائق السرعة وغيرها)، أو برامج النهوض بقطاعات استراتيجية كالفلاحة والصناعة والطاقات البديلة. واستطاع المغرب بفضل رؤية جلالة الملك محمد السادس أن ينال احترام المجتمع الدولي بفضل سياسته الخارجية المتوازنة والمبنية على الدفاع عن القضايا والمصالح الوطنية، وعلى نهج التعاون والتضامن، والمساهمة في حل النزاعات وتحقيق السلم والأمن الدوليين.

ومهما طال الكلام، فلن أحصي جوانب النهضة التي حدثت تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، في كل أرجاء المملكة، وفي شتى المجالات، لأن جلالة الملك ما فتئ يعمل منذ أزيد من عقدين على جعل المملكة قوة إقليمية تتمتع بالاستقرار السياسي وباقتصاد صلب وقوي وفاعلا أساسيا في مجال السلم والأمن بإفريقيا والشرق الأوسط، ومحورا دوليا في مجال الأمن العالمي ومحاربة الإرهاب والتطرف.

ما السيناريو الذي تتوقعونه لمسار التنمية المستقبلي وخيارات الجهوية المتقدمة؟

شكل ورش الجهوية المتقدمة، أبرز المشاريع الإصلاحية التي التزمت بها المملكة المغربية تجسيدا لإرادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس في تحقيق التنمية المندمجة بالمغرب وتوطيد دعائمها، ودخل مفهوم الجهوية بالمغرب عهدا جديدا مع إقرار دستور 2011 الذي رسخ الجهوية المتقدمة كأحد ثوابت الأمة باعتباره التنظيم الترابي للمملكة تنظيما لامركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة، وتضمنه لمقتضيات متعلقة بالتدبير الجهوي والحكامة الترابية والتنمية الجهوية والمندمجة وتعزيز اللاتمركز الإداري. وشكل تحقيق الجهوية المتقدمة وترسيخها ورشا استراتيجيا ما فتئ جلالة الملك محمد السادس يؤكد على ضرورة المضي في تفعيله لما يحمله من حلول وإجابات للمطالب الاجتماعية والتنموية بمختلف جهات المملكة.

وفي هذا السياق، يعتبر الخطاب الملكي الذي وجهه جلالة الملك إلى الأمة بتاريخ 6 نونبر 2008 مرجعية أساسية للجهوية المتقدمة، حيث أعلن جلالته فتح صفحة جدیدة في نھج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي يقودها جلالته من خلال إطلاق مسار جھویة متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتھا جھة الصحراء المغربیة. كما أعاد جلالة الملك في خطاب 3 يناير 2010 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية التأكيد على أهمية الجهوية الموسعة باعتبارها، ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة، حيث أصدرت اللجنة الاستشارية للجهوية توصيات دعت فيها إلى تبني مجموعة من المقتضيات التشريعية والتنظيمية، التي من شأنها الانتقال بالجهوية إلى جهوية متقدمة ذات جوهر ديمقراطي وتنموي، حيث شكل تقريرها أرضية صلبة لإدراج المقتضيات المذكورة ضمن دستور 2011.

كما أعطى جلالة الملك في خطاب 29 يوليوز 2018، بمناسبة عيد العرش، تعليماته بإصدار ميثاق اللاتمركز الإداري الذي تتيح مقتضياته للمسؤولين المحليين، اتخاذ القرارات، وتنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في انسجام وتكامل مع الجهوية المتقدمة. ويعتبر هذا الميثاق مدخلا أساسيا لمواكبة الدينامية الجديدة التي يشهدها التنظيم الترابي اللامركزي للمملكة القائم على الجهوية، ولبنة أساسية في بناء الجهوية المتقدمة وتوفير الشروط اللازمة لتنفيذ السياسات العمومية للدولة على الصعيد الترابي، وفق مقاربة مندمجة ومتكاملة لتحقيق تنمية مستدامة، تمثل الجهة الفضاء الترابي الملائم لبلورتها على أرض الواقع.

ويعتبر ترسيخ الجهوية المتقدمة ورشا استراتيجيا ما فتئ صاحب جلالة الملك محمد السادس يؤكد على ضرورة الانخراط بفعالية في تنزيل مضامينه، بغية تحقيق التنمية المندمجة بكافة جهات المملكة، وفي صلب هذا الورش الملكي، يقع برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية (2017- 2023)، باعتباره مدخلا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية القائمة على تعزيز أدوار الجهات، وتمكينها من بناء نموذجها التنموي الخاص استنادا إلى مؤهلاتها، علما أن كسب رهان الحد من الفوارق المجالية والاجتماعية يقتضي مواصلة تظافر جهود كافة المتدخلين وتعزيز التقائية البرامج والسياسات العمومية بغية تحسين مؤشرات التنمية البشرية، وترسيخ مبدأ الحد من التباينات المجالية في عمليات التخطيط الجهوية للمساهمة في إنجاح الورش الملكي للجهوية المتقدمة.

وعلى الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في مسار تنزيل مقتضيات الجهوية المتقدمة على المستويات التشريعية والقانونية والمؤسساتية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله لبلوغ الغاية المرجوة من هذا الورش الوطني الاستراتيجي، والمتمثلة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتحقيق الحكامة الترابية، من خلال تحلي الفاعلين السياسيين المركزيين والترابيين بالإرادة الحقيقية لتفعيل هذا الورش الطموح.

شكلت القضية الفلسطينية ركيزة راسخة في السياسة الخارجية للمملكة وركنا ثابتا في جهودها المتواصلة من أجل الدفاع عن المقدسات الإسلامية، كيف يمكن تفسير ذلك؟

أعتقد أن جلالة الملك محمد السادس ومنذ توليه العرش يولي عناية خاصة للقضية الفلسطينية بصفة عامة والقدس الشريف على وجه الخصوص، وبالتالي فإن المملكة المغربية جعلت من الدفاع عن القضية الفلسطينية ركيزة راسخة في سياستها الخارجية وفي جهودها المتواصلة من أجل الدفاع عن المقدسات الإسلامية، وعلى رأسها القدس الشريف، الذي يحظى بعناية خاصة من لدن جلالته بصفته رئيسا للجنة القدس، وذلك من خلال المزاوجة بين العمل السياسي والدبلوماسي والعمل الميداني الذي تضطلع به وكالة بيت مال القدس كآلية تنفيذية وميدانية للجنة القدس في إنجاز خطط ومشاريع ملموسة، تهدف لصيانة الهوية الحضارية للمدينة المقدسة وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للفلسطينيين ودعم صمودهم.

منذ تولي الملك محمد السادس العرش، اختار المغرب ضمن توابث سياسته الخارجية تنويع شركائه وإعطاء الأولوية للعلاقات جنوب-جنوب، كيف ذلك؟

إدراكاً منها لأهمية تنويع شركائها، توجهت المملكة المغربية في سياستها الخارجية نحو تعزيز علاقاتها مع شركائها التقليديين ونحو بناء شراكات جديدة، مما مكنها من بناء شراكات ناجحة مع الاتحاد الأوروبي وإرساء تعاون مثمر مع الدول الخمس الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا)، فضلاً عن دول أميركا اللاتينية والكاريبي وآسيا.

وفي هذا الصدد، ووفقا للرؤية المؤطرة لعمل الدبلوماسية المغربية، عمل المغرب باستمرار من أجل إرساء أمن واستقرار إفريقيا والفضاء الأورومتوسطي من خلال مساهمته في الجهود المبذولة لمكافحة مختلف التهديدات والمخاطر، لاسيما التغيرات المناخية والإرهاب وتدفقات الهجرة غير النظامية. ومنذ عودة المغرب للاتحاد الإفريقي سنة 2017، لم يتوان عن الدفاع عن مصالح القارة الإفريقية بشكل خاص وعن دول الجنوب بشكل عام. كما أنه وقبل ذلك، قام العاهل المغربي منذ سنة 1999 بأكثر من 50 زيارة لحوالي 30 بلداً بمختلف المناطق الجيوسياسية الخمس للقارة الإفريقية، وتم إبرام ما يزيد على 1000 اتفاقية مع بلدان القارة، حيث اندرجت العديد من المبادرات التضامنية للمغرب مع دول القارة، في إطار مقاربة التعاون جنوب – جنوب، وعكست متانة الروابط التي تجمع المغرب بالقارة الإفريقية ورغبته في تقاسم الحلول التنموية مع بلدانها، من أجل جعلها مساهماً رئيسياً في قضايا السيادة الجديدة كالأمن الغذائي والأمن الطاقي ومواجهة تحديات التغير المناخي، وغيرها.

يجمع المحللون ومراكز البحث، على المستوى الدولي، على أن المغرب ومنذ تولي الملك محمد السادس العرش، أصبح يضاهي الاقتصادات الناشئة الكبرى، حيث يجد المستثمرون أفضل الظروف لإنجاح مشاريعهم، كيف ترى ذلك؟

منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، العرش، يعيش المغرب على إيقاع دينامية تنموية تضع رفاهية المواطن المغربي في صلب أهدافها، وتجعل منه القوة الدافعة الأساسية لها، وذلك بفضل مشاريع مهيكلة تخلق القيمة المضافة، وتجسد طموح مملكة تستشرف المستقبل. وبفضل هذه المشاريع أصبح المغرب نموذجا على المستويين الإقليمي والقاري. فميناء طنجة المتوسط، وميناء الداخلة المطل على المحيط الأطلسي، وخط القطار فائق السرعة، والمطارات المجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية، وما يقرب من 2000 كيلومتر من شبكة الطرق السيارة، والعديد من المشاريع الأخرى واسعة النطاق، جعلت المغرب، اليوم، بلدا صاعدا، يكرس ريادته في محيطه القريب وخارجه. وبالفعل، وبفضل المبادرات الملكية المتعددة، أصبحت المملكة ورشا مفتوحا، حيث انطلقت مشاريع ذات بعد استراتيجي تهدف من جهة، إلى تحسين مستوى معيشة المغاربة، ومن جهة أخرى، إرساء أسس اقتصاد تنافسي.

هذه المشاريع مكنت من تزويد المغرب ببنيات تحتية متطورة، والتموقع، بالتالي، كبلد مستقطب للاستثمارات الأجنبية. ففي تقرير لوزارة الشؤون الخارجية الأمريكية حول مناخ الاستثمارات في العالم نشر في 17 يوليوز الجاري، تم تسليط الضوء على مؤهلات وطموحات المملكة، كبلد «يشجع ويسهل بشكل فاعل» الاستثمارات الأجنبية، مؤكدا أن المملكة تفرض مكانتها كـ«قطب إقليمي للأعمال» و«بوابة» نحو القارة الإفريقية.

ارتباطا بالقضية الوطنية، هل يمكنك الحديث عن التقدم الإيجابي لقضية الوحدة الترابية منذ اقتراح مخطط الحكم الذاتي من قبل المغرب سنة 2007؟

كما هو معلوم، مند تقدم المغرب بمقترح الحكم الذاتي سنة 2007، لقي هذا المقترح تجاوبا واسعا من مختلف القوى الدولية، التي اعتبرته ذا مصداقية وجدية، كما أن مجلس الأمن الدولي ما فتئ يشيد بالمبادرة المغربية، مع دعوة الأطراف إلى التحلي بروح الواقعية في البحث عن حل للنزاع المفتعل، علما أن مبادرة الحكم الذاتي هي المبادرة الوحيدة التي تنسجم مع ما يطالب به المجتمع الدولي ويراه سبيلا للحل، ويمكننا أن نلاحظ أن الإشادات الدولية المتتالية لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، مؤشر إيجابي على انفراج الملف في اتجاه حل واقعي موضوعي حيث أن جميع المؤشرات السياسية والدبلوماسية تؤكد أن الحل المغربي ماض في حصد تأييد عدد كبير من دول العالم في القارات الخمس، لأن المجتمع الدولي بات مقتنعا بأن حل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية لا يمكن إلا أن يأخد بعين الاعتبار مشروعية المغرب التاريخية والقانونية.

وانطلاقا مما سبق، فإن المغرب يتشبت بمنطق الحكمة والتبصر والهدوء ملتزما بصدق التعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة في إطار احترام قرارات مجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى حل نهائي على أساس مبادرة الحكم الذاتي، غير متأثر بالاستفزازات العقيمة للخصوم الذين يراكمون أخطاء تمس جوهر الشرعية الدولية. وفي هدا الصدد، فإن مجلس الأمن الدولي كما يؤكد الخبير المكسيكي في التنمية الدولية بيدرو دياز دي لا فيغا غارسيا، قادر على التمييز بين الطرف الذي يرغب في حل هذا النزاع والأطراف الأخرى التي تماطل وتختار الإبقاء على الوضع الراهن كما هو عليه، مبرزا أن سمو وجدية ومصداقية المبادرة المغربية تكرست، بالفعل، من خلال 18 قرارا متتاليا صادر عن مجلس الأمن منذ 2007، بما في ذلك القرار (2602) المعتمد في أكتوبر 2021.

عموما، فإن المشاورات التي يشهدها مجلس الأمن بخصوص هذه القضية تمر في سياق يتميز بدعم متزايد لمغربية الصحراء، ولشرعية حقوق المملكة على أقاليمها الجنوبية، ولمخطط الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد لهذا النزاع الإقليمي الموروث من الحرب الباردة، وبالتالي فإن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تواصل حشد مزيد من الدعم القوي والفعال من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي تدعم فئة كبيرة منها مخطط الحكم الذاتي المغربي، وهنا لا بد من استحضار المواقف الأخيرة لكل من إسبانيا وألمانيا.

كيف واكب المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، التابع لجامعة القاضي عياض، الجهود الدبلوماسية والمكاسب الملموسة التي تعرفها قضية الصحراء المغربية؟

أعتقد أن المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول قضايا الصحراء، باعتباره بنية وطنية بحثية ومنفتحة على كل الكفاءات والمؤسسات والمراكز البحثية والمختبرات العلمية الجامعية التي تتقاسم معه وحدة الموضوع، يحاول من خلال إطلاق مجموعة من المشاريع العلمية، تبني المسالك الكفيلة بانجاح الدبلوماسية الموازية، من خلال تنمية وتطوير أدوارها وقنواتها باعتبارها مكملا رئيسيا لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس، خاصة وأن العصر الراهن في حاجة ماسة الى منح الفعل الدبلوماسي القدرة التأتيرية والفعالية الضرورية على رأسها الوحدة الترابية، وانسجاما مع الرهانات المؤسساتية الرامية إلى مواكبة الجهود الدبلوماسية والتنموية في سياق موسوم بالكثير من المكاسب والتطورات الملموسة والمؤثرة إيجابا بالأقاليم الجنوبية للمملكة، إلى جانب اقتناع جامعة القاضي عياض بضرورة دعم المشاريع والابحات الأكاديمية ذات الصلة وأهمية البحث العلمي في رأس المال المادي واللامادي لجهات الصحراء المغربية، أطلق المركز مجموعة من المشاريع العلمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: إطلاق النسخة الثانية من الجائزة الوطنية للدراسات والأبحاث حول ديناميات المجال الصحراوي، إعداد الأوراق المرجعية لإصدار تقرير إستراتيجي وطني حول لأقاليم الجنوبية، من خلال التركيز على الأٌقل على أربع مجالات رئيسية (المجال السياسي، والمجال الاجتماعي والثقافي، والمجال الاقتصادي، ومجال حقوق الإنسان والعلاقات الدولية)، وإطلاق مكتبة وسائطية افتراضية تحت اسم «كتابي عن الأقاليم الصحراوية»، ستتيح إمكانية التعريف بأحدث المخطوطات والإصدارات الورقية والرقمية والاطلاع عليها، وإطلاق موقع خاص بالمركز للتعريف بأعماله وأنشطته، وفي الوقت نفسه سيشكل منصة رقمية حول الخطب الملكية والمواضيع والقرارات والمشاريع ذات الصلة بديناميات المجال الصحراوي في أبعاده المختلفة، إلى جانب تنظيم المؤتمر السنوي للصحراء، الذي ستختتم أشغاله بتكريم «شخصية السنة» لأدائها ونشاطها لفائدة الأقاليم الصحراوية، ودلائل توظف كدعامات بيداغوجية خلال تكوين الفاعلين المهتمين بموضوع الوحدة الترابية الوطنية والمترافعين عنها في المحافل الدولية وأخيرا إعداد أشرطة وبرامج وثائقية تعرف بالرأس المال المادي واللامادي للمجال الصحراوي، وتثمن مؤهلاته وعناصر قوته.

وبالنظر إلى التطورات الهادئة والملموسة بجهات الصحراء المغربية، فإن المركز يسعى من جهة، إلى إبراز المسار التنموي المتواصل الذي خطه جلالة الملك، للأقاليم الجنوبية حتى أصبحت اليوم فضاء مفتوحا للتنمية والاستثمار، الوطني والأجنبي. ومن جهة ثانية، في استكمال مسار إعطاء إشعاع وحيوية أكبر لانخراط الجامعة، إلى جانب باقي الشركاء والمؤسسات العامة والخاصة المحلية والوطنية والدولية، في التعريف بالرأس المال المادي واللامادي للمجالات الصحراوية في أفق تثمين مؤهلاته وتنميته بما يعود بالنفع على مستوى عيش الساكنة.

ويطمح المركز إلى تفعيل برنامج عمل سنوي هادف، يتوزع على سلسلة من الأنشطة والمشاريع الأكاديمية الهامة التي تسعى، أساسا، إلى التفكير في بدائل مبتكرة للديبلوماسية الموازية والبحث العلمي الرصين في تنمية الطاقات البشرية والطبيعية التي تزخر بها الأقاليم الجنوبية، والتي تخولها أن تصبح قاطرة اقتصادية وعلمية على المستويين الإقليمي والقاري.

أين تكمن أهمية الترافع القانوني والأكاديمي في دحض الطروحات التي يرددها الخصوم بصدد قضية الصحراء المغربية؟

موضوع استكمال الوحدة الترابية لبلادنا مثّل أحد أكبر تحدياتها المعاصرة، واعتبر المغاربة أجمعين، ملكا وشعبا، أن استرجاع الأقاليم الجنوبية، قضيتهم الوطنية الأولى، وبذلوا في سبيل ذلك مجهودات كبيرة، وخاضوا معارك متعددة وعلى جبهات مختلفة، ولضمان المواجهة الفعالة لمناورات وأساليب خصوم وحدتنا الترابية، وهي مناورات ما فتئت تتطور وتتجدد بشكل مستمر، لم يعد بالإمكان الاقتصار على الأساليب التقليدية، بل أضحى من الواجب تجديد وتثمين آليات الدفاع عن القضية الوطنية، وتجند الجميع لتفنيد ادعاءات الخصوم، وهنا تكمن أهمية الترافع القانوني والأكاديمي في دحض الأطروحات التي يرددها الخصوم بخصوص قضية الصحراء المغربية، من خلال العمل على تكوين جيل جديد من الشباب والطلبة الباحثين والخبراء المتمكنين من المعارف القانونية والدبلوماسية والاستراتيجية حول قضية الصحراء المغربية، بغاية تعزيز الترافع الاكاديمي والعلمي دفاعا عن القضية الوطنية بناء على مرتكزات علمية واعتمادا على المعايير والمواثيق الدولية، وفي هدا السياق، فإن تعزيز قدرات الطلبة والباحثين أضحت ضرورة ملحة لاستغلالها بشكل أفضل من أجل ترافع فعال يخدم قضية الصحراء المغربية.

وفي سياق مواكبة جامعة القاضي عياض للجهود الرسمية للدولة للترافع من أجل قضية الوحدة الترابية، انطلاقا من المداخل العلمية الرصينة، التي تستهدف افحام المجتمع الدولي بعدالة القضية المغربية وواقعية أطروحة الحكم الذاتي كخيار جدي ومسؤول، جرى تنظيم النسخة الأولى من جائزة «أطروحتي حول الدفاع عن الوحدة الترابية في عشرة دقائق»، بمبادرة من المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، وتستكشف مثل هذه المسابقات الطاقات العلمية، ويجري فيها الاشتغال على صناعة العلم وإنتاج الوطنية الحقة باعتبارها المحور المشترك، حيث تسعى جامعة القاضي عياض دائما إلى تنويع الروافد والمسارات خدمة للمسار التنموي المتواصل الذي خطّه جلالة الملك محمد السادس بالأقاليم الجنوبية، وذلك تنفيذا لتوجيهاته السامية التي تفيد بأن توجه المملكة في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي والأكاديمي والاجتماعي والاقتصادي.

videossloader مشاهدة المزيد ←