الدكتور بنطلحة يكتب: تأملات من وحي الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء

الدكتور بنطلحة يكتب: تأملات من وحي الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء

د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والبحوث حول الصحراء

 

حدثان متميزان عشناهما مؤخرا في مسيرة تاريخ العلاقة الدبلوماسية بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، يحملان دلالات شتى تؤكد على عمق ومتانة العلاقة بين البلدين الصديقين والحليفين.

 

الحدث الأول تمثل في فقدان الجزائر أحد أكبر داعمي مرتزقة البوليساريو وهو السيناتور الأمريكي المثير للجدل جيم إنهوف، الذي كان يشكل إلى جانب زمرة من حوارييه لوبيا جزائريا يتلقى الملايين من دولارات بترول الشعب الجزائري المغلوب على أمره.

 

لقد حاول إنهوف مرارا أن يتراجع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قرار اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحراءه، مستغلا في ذلك وضعيته الاعتبارية كرئيس للجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، وقد كان يضغط كذلك قيد حياته أن تساند واشنطن مطالب “البوليساريو” بالحصول على تقرير المصير، والأكثر من ذلك أنه كان يطالب في فترته الأخيرة في الكونغرس من الإدارة الأمريكية تغيير مكان إجراء مناورات الأسد الإفريقي من المغرب إلى بلد آخر، لكن خاب مسعى إنهوف ولم ترضخ الإدارة الأمريكية لأوهامه وغادر دنيا الناس دون أن يحقق لعسكر الجزائر أحلامهم التوسعية.

 

الحدث الثاني يتمثل في الحوار الذي أجرته السفيرة الأمريكية في الجزائر إليزابيت مور أوبين، مع صحيفة La Partie News الجزائرية، حيث أكدت بالواضح ومن قلب الجزائر، أن اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء حقيقة تاريخية لن يتراجع عنها بايدن، وأن الحكم الذاتي المغربي هو الحل القابل للتطبيق، وأضافت أنه “منذ عام 2008 يظل موقف الولايات المتحدة الأمريكية لم يتغير وهو اعتبار خطة الحكم الذاتي المغربية هي الحل القابل للتطبيق”، وقالت “لم نغير وجهة نظرنا بشأن ذلك على مدى عقدين تقريبا وهذا ماقلناه، ومع ذلك في النهاية يجب أن يكون هذا الحل تحت رعاية الأمم المتحدة”.

 

هكذا يتبين لنا أن الموقف التاريخي الذي تجسد في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحراءه مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين الصديقين، مما يؤكد دعم واشنطن للمغرب كحليف استراتيجي وبلد استقرار، ومنصة أساسية نحو افريقيا ويؤكد عمق العلاقات بين البلدين، ويعزز الشراكة الاستراتيجية القوية بينهما، والارتقاء بها الى تحالف حقيقي يشمل جميع المجالات، كما أن هذا الاعتراف السيادي يشكل انتصارا للديبلوماسية المغربية، مع العلم أن هذا الاعتراف جاء في اطار مرسوم من طرف الادارة الامريكية، وللتذكير أن المرسوم التنفيذي الذي صدر عن الرئيس الأمريكي “ترامب” يلزم الدولة الأمريكية ويندرج ضمن الصلاحيات التي يمنحها الدستور الأمريكي لرئيس الدولة وفقا للفصل الثاني من الدستور الأمريكي، ومن المعلوم أن المرسوم التنفيذي يمتلك قوة القانون الفيدرالي، كما ان الكونغرس الأمريكي لا يمكنه الغاء المراسيم الرئاسية علما أن القرار الأمريكي المتخذ هو قرار دولة ويخضع لمبدأ استمرارية الدولة، وهو ينسجم مع قرارات مجلس الأمن الدولي الأخيرة التي تدعو الى حل واقعي وعملي وقائم على الرغبة في التسوية السياسية.

 

لقد جاء هذا الموقف الداعم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية تدعيما لمواقف عدد من الدول الشقيقة والصديقة وكذا قرارات العديد من الدول بفتح قنصليات بأقاليمنا الجنوبية كما أن هذا الاعتراف غير التوازنات الاستراتيجية بشمال افريقيا وأربك حسابات العديد من الدول وشكل ضربة قاسية لحكام الجزائر وصنيعتهم البوليساريو وتتويجا لسلسلة من المحطات الايجابية الديبلوماسية المغربية.

 

لاسيما أن المغرب يعد أحد أقوى شركاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وهو البلد الوحيد في افريقيا الذي تربطه اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه البلد الافريقي الوحيد الذي تجري معه تدريبات عسكرية سنوية، بالإضافة الى كونه من بين ثلاث دول افريقية تحظى بصفة أكبر حليف خارج حلف الناتو، ومن جهة اخرى نجد ان دعم أمريكا للموقف المغربي سيمكنها من الحصول على موطئ قدم جنوب المغرب مما يساعدها على تعزيز تواجدها في افريقيا جنوب الصحراء ويعزز حظوظها في تقوية نفوذها السياسي والاقتصادي في افريقيا، في وقت أصبحت هذه الأخيرة مسرحا لتنافس قوى عظمى…

videossloader مشاهدة المزيد ←