الدكتور بنطلحة يكتب: بحثا عن الهوية المفقودة
الدكتور محمد بنطلحة الدكالي *
الهوية هي نظام من القيم والتصورات يتميز بها مجتمع ما تبعا لخصوصياته التاريخية والحضارية، إنها عبارة عن عدد من التراكمات الثقافية والمعرفية، وتمتاز هذه الهوية بغناها النابع من رحم مجتمعها إضافة إلى احتكاكها الإيجابي أو السلبي بالهويات الثقافية الأخرى.
والهوية شعور جمعي يرتكز على مبدأ الوحدة والتماسك كما يأتي تشكيل التصورات الجماعية بوصفها كيانا منسجما ومتجانسا مشكلا ما يعرف بالأمة ذات الأهداف والدوافع المشتركة. ويتشكل هذا التصور من مفهوم الوطن الجماعي والإحساس بوحدة الثقافة وتواصل التاريخ والأجيال. إن الهوية تشير إلى التميز وإلى الجوامع المشتركة التي تمنح الخصوصية والتميز لأمة دون غيرها.
ويحدث أن نجد بعض الدول، خاصة بعد انحسار المد الاستعماري، قد وجدت نفسها دون هوية ثقافية جامعة، جراء ولادتها القيصرية من رحم استعمار أرادها أن تكون على المقاس ولو على حساب التاريخ والجغرافيا وفق نوايا وترتيبات… هذا الفقدان للهوية يؤدي إلى حالة نكوص مجتمعي وإحساس بالدونية بفعل غياب العمق التاريخي…
هكذا يبدأ توظيف الإيديولوجيا عبر إحلال قيم ثقافية مستوردة أو السطو عليها بعيدا عن كل القيم والمبادئ الإنسانية الكونية.
وفي هذا الإطار، وصونا للتراث الثقافي اللامادي، تم توقيع اتفاقية صدرت عن اليونسكو في باريس بتاريخ 17 أكتوبر 2003، سميت بـ”اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي”، تركز على دور المجتمعات في الحفاظ على الثراث الثقافي غير المادي.
ونجد أن المغرب الدولة الأمة يعاني من سطو ممنهج على تراثه اللامادي من طرف دولة جارة عن طريق التحريف والتزييف وسرقة تاريخ المغرب وثقافته وثراثه وتبنيها لها ضدا على التاريخ.
ومن المضحكات المبكيات لهؤلاء الجيران شافاهم الله، أن أصبح بن بطوطة اللواتي الطنجي جزائريا وبطلا لفيلم جزائري من إخراج طارق صفية وعرض في بعض القاعات في فرنسا، ويزعمون أن باب المغاربة في القدس الشريف جزائري حتى ولو أن الجزائر لم تكن قد ولدت بعد، وأن طارق بن زياد جزائري بل وحتى دولة المرابطين والموحدين…!! وذهب بهم الأمر أن جعلوا صومعة الكتبية الشامخة من تراثهم الإنساني في حفل أسبوع للتراث… ويشاركون بأطباق مغربية في مسابقات عالمية دون حياء أو خجل.
إنهم يتعمدون السطو على كل ماهو مغربي من ألبسة وصناعة تقليدية ويقدمونها في برامج تلفزية على أنها جزء من تراثهم، بل لم يسلم منهم حتى فن الملحون المغربي العريق.
إنهم يحاولون خلق تراث من العدم بشكل تعسفي وكاريكاتوري يدعو إلى الشفقة وطلب الشفاء… إنهم يحاولون تحجيم الإرث الثقافي للمغرب الدولة الأمة محاولين حجب شمس الحقيقة بغربال.
ومادام الشئ بالشئ يذكر، وحتى نكون منصفين ونعطي لكل ذي حق حقه، نجد أنه وفي غمرة الأخبار التي تفد علينا والتي تظهر اكتساح لحوم الحمير موائد مغلوبيهم.. فإننا وللتاريخ نشهد أن هذا إبداعهم وتميزهم، وحبذا لو أضافوا إليه بعض البهارات من أجل تحقيق الريادة في المطابخ العالمية..
قالت العرب قديما إن الطعام يطبع البشر بسمات ذبائحهم، ورحم الله ابن القيم حين قال: “كل من ألف ضربا من ضروب الحيوانات اكتسب من طبعه وخلقه، فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى”…
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش