لقد نقلت مختلف وسائل الإعلام العالمية المشهد المؤلم الذي عرفه ما يسمى بـ«مخيم الداخلة»، الواقع جنوب شرق مدينة تندوف، والذي تمثل في إطلاق النار من طرف جيش النظام العسكري الجزائري تجاه مدنيين عزل إثر احتجاجات شعبية وحالة من الغليان غير المسبوق أسفرت عن سقوط قتيلين والعشرات من الجرحى.
لقد شهد وسمع العالم الأصوات الغاضبة المحتجزة في المخيمات وهي ترفع شعارات تطالب برفع الحصار للعودة إلى الوطن الأم، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم الإرهابية.
مجزرة دموية تابعها العالم ليكون شاهدا على مأساة دائرة العركوب، ما أثار موجة غضب واسعة في صفوف المحتجزين، خاصة بعد تأكيد هوية أحد الضحايا، ويتعلق الأمر بالمحتجز سيد أحمد بلالي، أحد سكان دائرة العركوب، كما جاء في بيان الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان (ASADEDH)، وهو ما يمثل انزلاقا خطِرا في مسلسل الانتهاكات التي يتعرض لها المحتجزون داخل مخيمات تندوف.
وتذكرنا هذه الواقعة بجريمة حرق شبان صحراويين في بئر للتنقيب عن الذهب سنة 2022.
أمام هذا الوضع الكارثي، تشهد مخيمات تندوف بالجزائر خلال الأشهر الأخيرة اشتباكات خطِرة بين مجموعة من الصحراويين المحتجزين وقيادة عصابة البوليساريو، نذكر منها «انتفاضة» فخذ «البيهات» (المنتمي لقبيلة الركيبات)، والتي أدت إلى اعتقال العشرات من أفراد هذه القبيلة في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي وبتوصيات الآليات الأممية لحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الدولية، حيث يزج بالعديد من المحتجزين في سجن «الذهيبية» سيء الذكر، بل منهم من قضى نحبه أثناء الاحتجاز مثل محمد سالم نفعي.
حاولت عصابة البوليساريو تطويق هذه الاحتجاجات المتواصلة، عن طريق الترغيب والترهيب، لكن نجد أن رياح العاصفة أقوى منها، حيث أصبحنا أمام «انتفاضة» شعبية، إذ انضم فخذ «السواعد» (المنتمي لقبيلة الركيبات) إلى مجموعة من القبائل «المنتفضة»، وتطورت المواجهة لتصبح بالسلاح بعد الهجوم على مركز بالناحية العسكرية الثانية ومصادرة أسلحته وتدمير وإحراق السيارات وبعض المراكز لما يسمى «الدرك الصحراوي»، رافقتها دعوات إلى الاحتجاج بلا هوادة والمطالبة بالعودة الجماعية إلى الوطن: المغرب، هَربا من جحيم تندوف.
وأمام هذا الوضع الشاذ، أنشأ حكام الجزائر ودماهم المتحركة ممن يسمون قادة جبهة الوهم العديد من السجون، بما في ذلك سجن «الرشيد» الرهيب، وهو مركز كبير للتعذيب الممنهج في زنازن سرية تحت الأرض، الغاية منه إسكات وإخراس كل الأصوات المنادية بضرورة احترام حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، ناهيك عن الاختفاء القسري في حق عدد من الصحراويين الذين واجهوا قوة القمع ونادوا عاليا باعتزازهم بمغربيتهم.
هكذا تحولت المخيمات إلى سجن مفتوح تمارس فيه أبشع أنواع الظلم والاستبداد التي أصبحت تطال الشيوخ والشباب كما تطال النساء والأطفال، حيث يمارس الاختطاف والتعذيب والقتل وتجنيد الأطفال واغتصاب النساء وممارسة العبودية في انتهاك تام لمبادئ القانون الدولي، حيث فوض حكام الجزائر صلاحيات سيادية لمجموعة مسلحة، وذلك رغم أن لجنة حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة وفريق العمل الأممي حول الاختفاء القسري، أكدوا عدم قانونية تفويض الجزائر لصلاحياتها للبوليساريو، وطالبوها بوضع حد لهذه الوضعية لأنها تخل بواجباتها القانونية والأخلاقية تجاه المحتجزين فوق ترابها المكفولة بقوة القانون.
والطامة الكبرى تمكن في أن جلادي البوليساريو ماز الوا يتسترون على ظاهرة «العبودية» التي تواصل الانتشار في صفوف قادتهم وأزلامهم. لقد سمع العالم كله نداء شاب يدعى «سالم ولد عابدين» الذي أكد أنه منع من التمتع بوثائقه الثبوتية والتسجيل باسم والده الحقيقي من طرف «سيده» أي «الشخص الذي يستعبده»، وأوضح أنه تعرض للتهديد بالقتل من طرف الشخص الذي «يستعبده»، وأن على والده الحقيقي أن يدفع المال مقابل تحريره، وفق شهادته.
إن شهادة هذا الشاب هي واحدة من مئات الحالات المعروفة والكثيرة بالمخيمات، والتي سبق أن تطرق لها الشريط الوثائقي «المسروق»، والذي هو من إنتاج أسترالي.
لقد سبق لهذا الشريط أن عرض مجموعة من الشهادات حول معاناة العديدين من العبودية، وشارك في مهرجان «ملبورن» السينمائي الدولي رغم محاولات عديدة من أجل منع عرضه من طرف البوليساريو وحاضنيهم حكام الجزائر.
إن جميع قرارات مجلس الأمن منذ 2011، تطالب الجزائر بالموافقة على إحصاء ساكنة مخيمات تندوف بما يتوافق مع القانون الدولي الإنساني، مع العلم أن قرار مجلس الأمن 2654 (في الفقرة 23 من الديباجة)، حث مجددا الجزائر على «تسجيل ساكنة مخيمات تندوف على النحو المفروض».
ومن جهة أخرى، وثق برنامج الأغذية العالمي بشكل لا لبس فيه، عملية تحويل وبيع المواد الغذائية المتأتية من المساعدات الإنسانية وأعرب عن قلقه إزاء عدم تسجيل وإحصاء سكان مخيمات تندوف، كما أن المكتب الأوروبي لمكافحة الغش التابع للاتحاد الأوروبي كان قد سجل في تقرير نشره في 2015 أن عملية تحويل المساعدات الإنسانية الممنوحة للصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف فوق التراب الجزائري تتم بشكل ممنهج ولأكثر من أربعة عقود.
كما نجد أنه في عام 2021 لفت تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الانتباه إلى اختلاس أموال ومساعدات غذائية موجهة للساكنة المحتجزة من قبل البوليساريو.
إن المجتمع الدولي ملزم بتحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية تجاه ما يقع من تجاوزات من طرف جلادي البوليساريو وحاضنيهم حكام الجزائر، وأن يردع هؤلاء بحزم وبقوة القانون، حتى لا يتمادوا في التنكيل والتعذيب في حق المحتجزين، وأن يقف المجتمع الدولي مع هؤلاء المحتجزين حتى يتحرروا من قبضة هذه العصابة التي تجاوزت كل الأعراف والقوانين.
وأمام هذا الوضع اللاإنساني الذي يرجع إلى القرون الوسطى، من الواجب على المنظمات الحقوقية الدولية والهيئات الإنسانية أن تقوم بتحقيق عاجل في الموضوع تحت جميع الضمانات التي يكفلها القانون، وأن تقوم بترتيب الجزاءات ضد «المستعبدين»، وأخذ ضمانات بعدم المس بهذه الفئة وتمكينها من حقوقها الكونية، وتسليم ومتابعة المسؤولين أمام المؤسسات القضائية الدولية.
ويجب على المنتظم الدولي أن يفتح تحقيقا في عملية الاختلاس للمساعدات الإنسانية المخصصة لمحتجزي تندوف، والتي ما فتأت العديد من الهيئات والمنظمات تفضحها لدى المجتمع الدولي لسنوات عديدة.
مأساة محتجزي تندوف، صرخة تؤنب الضمير العالمي، هناك… في مخيمات الذل والعار، تغتال الإنسانية ويذبح القانون الدولي الإنساني من أجل نيل رضا سدنة بن عكنون…