أعربت نزهة الصقلي، رئيسة جمعية “أوال حريات“، عن تأثرها العميق بالمشاهد المؤثرة لأطفال متخلى عنهم، يعيشون بلا حقوق ولا هوية ولا نسب، ويعانون الوصم والتمييز، وذلك خلال حضورهم ومشاركتهم بقصص مؤثرة ضمن الدورة الثامنة للملتقى الوطني لليتيم المنعقد اليوم السبت بالدار البيضاء.

وأشارت الصقلي، في كلمتها بالملتقى، المنظم تحت شعار “النسب هوية، وهوية الطفل حق مقدس” أن المادة 32 من الدستور تلزم الحكومة بضمان نفس الحقوق لكل الأطفال، بغض النظر عن ظروف ولادتهم، كما شددت على ضرورة توفير بيانات دقيقة حول عدد الأطفال المتخلى عنهم، منتقدة غيابهم عن الإحصاءات الوطنية.

وأضافت أن الدولة مسؤولة عن إصدار القوانين، وأن الحكومة والأغلبية البرلمانية ملزمون بإصلاح مدونة الأسرة لتحقيق المساواة.

وعبرت عن خيبة أملها تجاه عدم الاعتراف بالنسب للأطفال المتخلى عنهم ورفض الاستعانة بالخبرة الجينية لإثبات النسب ضمن مقترحات تعديل مدونة الأسرة، رغم الإشارات الواضحة من الخطاب الملكي بضرورة مواكبة التحولات المجتمعية ضمن هذا التعديل.

من جهتها، أكدت نادية التهامي، نائبة رئيس مجلس المستشارين، أن الأطفال غير الشرعيين يعانون من حرمانهم لأبسط الحقوق الإنسانية، مشيرة إلى أن التشريعات المتعلقة بهذه الظاهرة أصبحت متجاوزة وتقليدية.

وانتقدت تحميل الأم وحدها مسؤولية الطفل الناتج عن علاقة جنسية، بينما يعفى الطرف الآخر من أي التزام.

واستغربت التهامي رفض استخدام الخبرة الجينية، التي تستعمل في الجرائم، لكنها لا تعتمد في إثبات نسب الأطفال، مؤكدة أن التشريعات الحالية تحمل أحكاما نمطية تمييزية لا تتماشى مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان.

كما دعت إلى ضرورة إصلاح التشريعات لضمان حقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، لأن ذلك يساهم في استقرار النسيج الاجتماعي. وأكدت أن الاهتمام بهذه الفئة يجب أن يكون تربويًا وتعليميًا ونفسيًا لضمان دمجهم الكامل في المجتمع.

من جهتها، عبّرت حنان رحاب، الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، عن تأثرها العميق بحضور الأطفال في هذا الملتقى، معتبرة أن السياسيين عاجزون عن مواجهة نظرات ودموع الأطفال المحرومين من نسبهم.

وانتقدت بشدة البرلمانيين الذين يصوتون ضد الاعتراف بالنسب، معتبرة ذلك “أمرا مخزيا وغير إنساني”. كما استنكرت تناقضات بعض المشرعين الذين يدعون الدفاع عن الديمقراطية والمساواة، بينما يقفون ضد حقوق الأطفال المتخلى عنهم.

وأكدت رحاب أن أي حزب أو برلماني يرفض التصويت على مبدأ اعتماد الخبرة الجينية سيتحمل مسؤولية تاريخية. وأضافت أن الديمقراطية الحقيقية لا تبنى بالجبن والخوف من التغيير، بل تتطلب شجاعة في الدفاع عن حقوق الجميع، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة.

وتساءلت كيف للبعض أن يهتم بتماسك المجتمع فقط من خلال اعتبار الأسرة التقليدية، المبنية على عقد الزواج، هي الأساس، وانتقاد كل الأشكال الأخرى للأسر، مشددة على أن ذلك يجعل قضية الأطفال المتخلى عنهم هامشية وغير ذات أهمية، “في حين يجب النضال للدفاع عن حقوق هؤلاء الأطفال، الذين كانوا نتاج علاقات متعددة الظروف والملابسات، وعدم تحميلهم مسؤولية وضعية لم يختاروها”، حسب تعبيرها.

من جهتها، أكدت عواطف حيار، الوزيرة السابقة للتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، ضرورة إثبات البنوة وتحميل الأبوين المسؤولية بشكل متساو، مشددة على أهمية الصياغة القانونية لاستخدام الخبرة الجينية، وإعطاء القاضي السلطة التقديرية لإقرار البنوة عن طريق وسائل أخرى.

وأوضحت أن المقترحات المقدمة الآن لتعديل مدونة الأسرة تلزم الأب والأم بمسؤولية الأبناء، داعية إلى إظهار شجاعة ووعي في معالجة هذا الملف، من خلال اعتماد الخبرة الجينية في إطار المنظومة المدنية.

كما أكدت أن حماية الأطفال مسؤولية أخلاقية وقانونية، مع احترام المنظومة الشرعية وضمان حقوقهم المدنية دون تشريع أوضاع غير مستقرة، على اعتبار أن الدستور ينص على أن الأسرة المبنية على الزواج هي المكون الأساسي للمجتمع.

أما رشيد آيلال، الباحث في نقد التراث الديني وعلم مقارنة الأديان، فأعرب عن رفضه للمنهج الفقهي الذي يسمح بنسخ النصوص القرآنية القطعية بأحاديث ظنية، معتبرا أن ذلك يؤدي إلى تغييب العدل وإدامة مظالم اجتماعية، أبرزها ما يتعلق بوضعية الأطفال مجهولي النسب.

وأكد أيلال أن بعض الفقهاء يعتمدون على قصص من العهد النبوي لتبرير أحكام لم تعد تطبقها أغلب الدول الإسلامية اليوم، متسائلا عن الداعي من الاستناد إلى حديث روجه ابن شهاب الزهري، المعروف بضعف نصوصه، في حين أن القرآن الكريم يقرر بوضوح مبدأ العدل، كما قال ابن القيم: “حيثما كان العدل فثمّ شرع الله”.

وتطرق الباحث إلى آية “ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله”، معتبرا أنها تمثل قاعدة قرآنية واضحة ترفض إلحاق الأطفال بغير آبائهم الحقيقيين، بينما بعض الفقهاء يصرون على الأخذ بروايات تخدم نزعة ذكورية، متجاهلين مسؤولية الأب ومتسببين في ترك الأم تتحمل التبعات وحدها.

وأشار أيلال إلى أن هذه المقاربة الفقهية تعزز التمييز ضد النساء والأطفال، داعيا إلى اجتهادات أكثر انسجاما مع روح العدل القرآني ومتطلبات العصر، بعيدا عن سلطة روايات مشكوك في سياقاتها التاريخية.