الدكتور بنطلحة الدكالي يكتب: في انتظار “غودو”
محمد بنطلحة الدكالي*
في “انتظار غودو” كوميديا تراجيدية للكاتب الإيرلندي صموئيل بيكيت، يشارك فيها شخصيتان “فلاديمير” و”استراجون”، وهما شخصان مشردان معدمان، يقفان على قارعة الطريق في أرض جرداء، ينتظران “غودو” وهما يعلمان أنه لن يأتي ولكنهما ينتظرانه…
ذكرني هذا العمل المسرحي بمرتزقة البوليساريو، الذين يتوهمون قدوم “غودو” على الرغم من أنهم يعلمون أنه لن يأتي ولكنهم مضطرون إلى الانتظار في خيام بالية وأرض جرداء مقفرة، لأن مخرج هاته الكوميديا السوداء يصر على الانتظار لأنه ببساطة يعشق النهايات التراجيدية التي يعقبها انتحار.. لذا هو يلهث دوما وراء السراب…!! بل لقد حشد جموعا من المختطفين وعابري السبيل وقطاع الطرق وتجار الدم وكل المنبوذين والمشردين وأرغمهم على المشاركة كـ”كومبارس” في هذا العرض المسرحي البئيس، حيث وزع عليهم صكوك غفران وخراطيش وبنادق بالية لم يسلم منها حتى الأطفال، وزج بهم قربانا لسدنة معبد قصر المرادية… وهم يعيشون في أوضاع لا إنسانية ومحرومون من كافة الحقوق الأساسية، بل هم محتجزون لأجل غير مسمى في انتظار “غودو”، وبذلك فقد المخرج البوصلة وخرج عن كل الضوابط ووضع الجوقة المتحكمة في مواجهة مع القانون…
هاته الأخيرة وفي محاولة للهروب الى الأمام روجت على “الكومبارس” أخبارا زائفة مدعمين السيناريو بحبكة جديدة، حيث بيانات الحرب الوهمية ونشر الأخبار الزائفة لبعث الهمم في نفوس “الكومبارس” الذين أعياهم الانتظار والجوع والسقم والتشرد والتسلط والخوف من المجهول وباتوا يترقبون الفرار حفاة عراة من هذا العرض التراجيدي المجنون، ومن مخرجه الذي توهم أنه سابق لهذا العالم وأنه البطل المغوار، وهي قصة أحمق ظن نفسه في مهمة مقدسة، وانتهى به الهوس الشديد لخيالاته إلى فقدانه لصوابه وخلطه بين أوهامه والواقع، وامتطى صهوة جواد أعجف هزيل وبدأ يصارع به طواحين الهواء.
لقد بدأ الجمهور في المغادرة وتنكر حتى داعمو هذا العرض البئيس وبدأ “الكومبارس” أكبر عملية فرار في التاريخ من هذا الجحيم.. ورغم ذلك مازال المخرج الأرعن يتمادى في حماقاته وهلوساته…
إنه ينتظر “غودو”.. الذي لم يصل ولن يصل أبدا…
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش