اخبار جهة مراكش | الثلاثاء 27 يناير 2015 - 14:03

في وداع تيكوتا..حينما ينتزع الموت الابتسامة من أفواهنا

  • Whatsapp

DSC_0309

بدر الدين اوسليم ـ مراكش

مات “تيكوتا” وسنترحم عليه كما ترحمنا على كثر ماتوا قبله.. هم فنانون أضحكونا.. أمتعونا.. أطربونا.. كانوا حاضرين كل يوم في الشاشات.. غائبين عن الحسابات.. نعرفهم جيدا لكن نجهل معاناتهم مع الحياة..
قصة أخرى تنتهي النهاية المأساوية.. وانتهى.. حيث سننساها بسهولة لننتظر من منهم سنضع صوره على بروفايلاتنا الفايسبوكية، واخبار موته ودفنه وماذا قال قبل يوم أو أكثر من النهاية… أبدا لن يكون موت هشام – كما لم يكن موت سابقيه ولن يكون موت لاحقيه- عبرة…
كلما رحل عنا فنان أحس بغبن شديد وانا أطالع ما تجتره المنابر الإعلامية من تكرار وصياغات وأسلوب يتغير فيها فقط الاسم والعمر وتاريخ الوفاة… أما حال الفن ووضعية فنانيه فتبقى على ما هو عليه من حالة احتضار وترد واندحار.. غبن تزداد شدة آلامه حين أطرح السؤال مع نفسي: “متى تصبح للفنان كرامة؟”
سؤال يستمد مشروعيته من مؤشرات عديدة لا تبشر بالخير…
فنان مسكين
الفنان في نظرنا مسكين لا حول له ولا قوة… هو شخص امتهن الصعاب حتى صار الكل يشفق عليه… أضحى الفن “ما موكل خبز” كما يصبح كل ذي عقل يراه… فبغض النظر عن بعض الاستثناءات كما هو الحال في كل أمور الحياة… يعيش الفنان حالة من البؤس الاجتماعي… يعيش حياته وهو يقاوم مد يده… يعيشها وفي داخله حلم بعمل قد يأتي يوما ليؤدي بمدخوله ما بذمته من دين للكاري والجزار والبقال ونادل المقهى وبائع السجائر بالتقسيط… يعيش حياته وهو يحارب من أجل ألا يأتي يوم يرى فيه فلذة كبده تطأ قدمه خشبة مسرح أو يقف بجسده أمام كاميرا أو ميكروفون… يعيشها وكله حسرة على ذنب اقترفه ذات يوم حين فضل التوجه لناد فني عوض ورشة حرفي معتقدا ساعة اتخاذ القرار أنه سيصبح “رسولا” للإستيتيقا…
فنان بالاسم
ليس القصد هنا طبعا التبخيس من مجهودات الفنان أو التقليل من عمله أو اختزاله في مجرد لقب… بل الغرض تبيان معضلة أخرى… لممارسة الفن لا مناص من توفر بنيات تحتية تحتضن المجموعات الفنية أو الأفراد حتى تكونا فضاء للتداريب ومنصة لإطلاق صواريخ الإبداع المدمرة للبلادة والجهل… مع الأسف هنا لا تجد شيئا من هذا… فقط بعض دور الثقافة والشباب التي لا يتوفر معظمها – تفاديا للتعميم- على أبسط المقومات الكفيلة بمساعدة الفنان على الإبداع في جو مريح…
هنا لا وجود لتشريع يقنن “المهنة” وينظمها ويضمن لممارسيها حقهم كعاملين في قطاع حيوي جد مهم، حقهم في التغطية الصحية والضمان الاجتماعي وجميع الامتيازات، التي يتوفر عليها مواطن عادي في بلد يحترم أهله قبل فنه… صحيح أننا سمعنا منذ مدة بقانون الفنان وبطاقة الفنان وغيرها إنما كل ذلك يظل في ملفات تحويها حقائب يحملها البعض لغاية أو أخرى…
سأكتفي بهذا لأتحاشى الحديث عن إشكالية الدعم التي يلزم التوقف عندها وتأملها بكل تفاصيلها حتى الدقيقة منها…
فنان مجهول
هنا يجتمع طرفا التناقض… فنان يعرفه الجميع لكن تجهل الغالبية وظيفته… طبيعي هذا العبث… فلا يمكن أبدا أن يحترم شخص ما شيئا وهو جاهل بأبجدياته… وهنا طامة كبرى أخرى تلوح في الأفق… كيف لفرد في مجتمع أنتجته مدرسة آخر همها برمجة حصص التربية الفنية الملزم في الأصل تلقين مبادئها والمستحب في العرف استغلالها لتدارك التأخر في مواد أخرى… فقليل هم المدرسون الذين يلتزمون بهذه الحصص على قلتها كعشر التزامهم بتدريس اللغة أو الحساب أو التربية الإسلامية أو العلوم…
هكذا يصير الفنان معزولا بإبداعه عن محيط لا يتفنن أفراده إلا في التمثيل بارتداء أقنعة الشرف والصلاح في مسرح بحجم الوطن… ليظهر الوجه الحقيقي سرا في كواليس الحياة…
فلنرث فنانينا وهم على قيد الحياة… أما إذا ماتوا فلنحاكم أنفسنا لأننا قتلناهم ألف مرة قبل ذلك… بقتلنا الفن مع سبق الإصرار والترصد… محطمين بذلك مرآة الشعوب…