اخبار جهة مراكش | الأربعاء 29 أكتوبر 2014 - 01:42

عبد الحق أيت العريف.. اللاعب القضية

  • Whatsapp

أيت العريف

صلاح الكومري – اليوم 24

وهو يحمل قميص نجم الشباب البيضاوي، وسنه لا يتجاوز الـ16 سنة، لم يكن عبد الحق أيت العريف يعلم أن القدر يخبئ له قضيتين كبيرتين،  جعلتا منه «قضية إعلامية دسمة»، الأولى بدأ بها مساره الكروي، وبالضبط مع الوداد الرياضي سنة 2001، والثانية أنهت مساره سنة 2012.
«قضية أيت العريف»، هذه الجملة افتتحت بها مختلف وسائل الإعلام الوطنية أخبارها الرياضية، شهر ماي من سنة 2001، كان اللاعب، وقتذاك، وهو لا يتعدى الثامن عشر من عمره، محور حديث الشارع الرياضي والمهتمين، حتى إن مشكله، وقتها بين فرق الوداد والرجاء، ونجم الشباب ثم جامعة الكرة، وصف بـ»قضية الكرة المغربية».
«قضية أيت العريف»، الثانية، تعرضه، قبل سنة ونصف، للاحتيال من طرف نصاب جزائري، سرق منه أزيد من 400 مليون سنتيم، وتركه ملاحقا من طرف مجموعة من تجار الأجهزة الإلكترونية، وبالتالي مغتربا عن وطنه.

أيت العريف محور  صراع الوداد والرجاء
قضية أيت العريف الأولى بدأت، في الرابع من شهر يونيو سنة 2001، في مباراة برسم الدورة 25، من منافسات البطولة الوطنية، أمام الرجاء البيضاوي، في ذاك اليوم، أخذ «الداهية» الأرجنتيني أوسكار فيلوني، اللاعب من يده، مسح على شعره، وقال له: «يا بني، نحن منتصرون بثلاثة أهداف، ادخل والعب كما شئت.. الميدان أمامك، والجمهور وراءك، فانطلق وامرح فإني أرى فيك موهبة».
دخل أيت العريف، ذاك الفتى النحيل، المباراة في الدقيقة 90، مكان زميله ربيع العفوي، كان يحمل، وقتها القميص رقم 13، تساءل، حينها، كثيرون من جمهور الوداد «من يكون الفتى؟»، بدا للجميع نحيلا، طري العود، طفلا وديعا يخطو خطواته الأولى، لكن في أربع دقائق، أضافها الحكم «المرحوم» سعيد بلقولة، تأكد للجميع أن اللاعب موهبة فذة، اكتشفها الإطار حسن بنعبيشة، ومنحها أوسكار الثقة للمضي قدما.
مباشرة عقب نهاية المباراة بفوز الوداد بثلاثة أهداف، أحرزها حمودة بنشريفة، ربيع العفوي، مراد الراجي، في الشوط الأول، قدم الرجاء البيضاوي اعتراضا تقنيا للجامعة الملكية على إشراك الوداد لعبد الحق أيت العريف، بداعي أن الأخير لم يكن مؤهلا قانونيا، وأنه كان ما يزال محسوبا لاعبا في نجم الشباب، وليس الوداد، وبالتالي انطلقت قضية اللاعب الأولى، نام وصحى عليها الشارع الكروي المغربي قرابة شهر.

الجنرال بنسليمان يتدخل في القضية
وجد أيت العريف، الذي كان وقتها لاعبا للمنتخب الوطني للشبان، نفسه محور نزاع بين الوداد والرجاء أمام جامعة الكرة برئاسة الجنرال حسني بنسليمان، استدعي فيها الشهود، من الحكم بلقولة، مراقب المباراة، رئيس نجم الشباب، نصر الدين الدوبلالي، رئيس الوداد، محمد عمور، رئيس الرجاء، وأطراف أخرى دخلت على القضية التي أسالت الكثير من المداد، وخلفت صراعا بين جماهير الناديين، قبل أن يحسمها المكتب الجامعي، بقدرة قادر، باعتبار الفريق الأحمر منهزما في المباراة إياها، وخصم ثلاث نفط من رصيده ومنحها للرجاء، كانت كفيلة للأخير للفوز بلقب الدوري الوطني تحت قيادة اليوغوسلافي سيلفستر طكاك.
رغم أن الوداد الرياضي قدم، وقتها، جميع الوثاق التي تؤكد قانونية مشاركة اللاعب في الديربي، إلا أن خطأ فنيا في الجامعة الملكية المغربية، حسم الأمر لصالح الرجاء. استأنف الوداد الرياضي قرار لجنة النزاعات في الجامعة، وطالب بتدخل شخصي من الجنرال حسني بنسليمان، وأكد من جديد قانونية مشاركة الفتى الوديع في الديربي.
دعا الجنرال بنسليمان الوداد والرجاء إلى ضبط النفس، والهدوء، وعدم الاستمرار في تضخيم «قضية» اللاعب زيادة عن حجمها، وفي الأخير، قبل الفريق الأحمر القرار على مضض، ولو أن ثلاث نقط لم تكن تعني له الكثير وقتها، بحكم أنه كان بعيدا عن المنافسة على لقب الدوري الوطني، الذي كان منحصرا بين القلعة الخضراء والفتح الرباطي.

السماسرة يحيطون باللاعب ويأخذوه للصفاقسي
ساهم النزاع بين الوداد البيضاوي والرجاء في الرفع من أسهم اللاعب على الصعيد الوطني والعربي، فطلب من المكتب المسير للوداد، وقتذاك، تعديل بنود عقده، غير أن نصر الدين الدوبلالي رفض شروطه من أجل الاستمرار في القلعة الحمراء، فقرر، تحت ضغط بعض السماسرة، الانتقال إلى الدوري التونسي لحمل قميص الصفاقسي، دون موافقة القلعة الحمراء.
انتقال اللاعب إلى الصفاقسي، لمدة ستة أشهر فقط، خلق قضية نزاع جديدة بين الفريق الأحمر ونظيره التونسي، لكن اللاعب انتقل بعد ذلك إلى أهلي جدة السعودي، لمدة ستة أشهر أيضا، ثم قضى موسمي 2007/2007، و2007/2008، في الغرافة القطري، ومنه انتقل إلى عجمان الإماراتي، قبل أن يعود إلى الوداد في موسمي 2009/2010، و2010/2011، وبعد الانفصال عن القلعة الحمراء، فضل حمل قميص الرجاء، وبالتالي إحداث ضجة جديد ة حوله من طرف الوداديين المتعصبين الذين رأوا في انتقاله «خيانة الأمانة»، لكنه اعتبر الأمر يدخل في إطار «احترافي»، منددا باللغط المثار حوله.

والدا أيت العريف يستنجدان بالملك
لجأ والدا أيت العريف إلى الملك محمد السادس من أجل التدخل، لإعادة ابنهما إلى المغرب، وبالتالي إيجاد حل لقضية تعرضه للنصب، وكشفا أن ابنهما، وبسبب معاناته النفسية في الغربة، أخبرهما، سابقا، أنه يفكر في وضع حد لحياته بالانتحار، مشيرين إلى أنه في وضع صعب جدا.
استعطف والدا اللاعب المغربي الملك محمد السادس، والمسؤولين، من أجل التدخل لإعادة ابنهما، والبحث في قضية تقديمه شيكات بدون رصيد.
قالت والدة أيت العريف: «ابني تعرض للنصب من طرف المواطن الجزائري سمير السعدي، كنا نعتبره مثل ابننا، استضفناه في بيتنا وشاركنا طعامنا، كنا نعتبره مثل عبد الحق، لم يكن لدينا فرق بينهما، لكنه استغل طيبتنا ونصب على ابننا، الشيء الذي تسبب لنا في أزمة عصبية نفسية، لهذا نلجأ إلى صاحب الجلالة والمسؤولين من أجل التدخل للنظر في قضية ابننا، لأنه برئ من كل ما اتهم به».قال والد اللاعب: «منذ أن حلت بنا هذه المشكلة لم يسبق لأحد أن دق بابنا أو استفسرنا عن أوضاعنا أو إن كنا في خصاصة، وحده سعيد الناصيري، رئيس الوداد الرياضي الجديد، زارني مؤخرا، واستفسرنا عن مشاكلنا، ووعدنا بعمل كل ما في وسعه من أجل حلها».

حملة تضامنية كبيرة مع أيت العريف
لقي الاستعطاف الذي تقم به والدا عبد الحق أيت العريف حملة تضامنية واسعة من طرف الجمهور المغربي، من مختلف المجالات، إذ عبر فنانون، وبرلمانيون، ورياضيون، ومسؤولون جامعيون عن استعداداهم للمساهمة في دعم اللاعب من أجل تمكينه من العودة إلى ووطنه.
وفي هذا السياق عبر الفنان هشام بهلول عن تضامه الكامل مع اللاعب وعائلته، ودعا جميع مكونات القلعة الحمراء إلى الالتفاف حوله من أجل تمكينه من العودة إلى وطنه، مشيرا أنه سيساهم بملغ 10 آلاف درهم لعائلة اللاعب. وفي السياق ذاته سارت الفنانة أسماء لمنور، وكتبت في صفحتها الشخصية، على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»: «حزينة جدا بعد مشاهدتي لفيديو والدي عبد الحق أيت العريف، اللاعب السابق لفريق الوداد الرياضي وكذلك الرجاء البيضاوي والمنتخب الوطني، الأب يريد فقط أن يرى ولده في العيد، والأم التي تبكي بحرقة ولدها الذي لا يستطيع دخول التراب الوطني». وأضافت أسماء لمنور: «أيت العريف حسب معلومات أكيدة مغرر به من طرف صديقه الذي استغل ثقته فيه، لذا أقترح إقامة مقابلة ديربي بين الوداد والرجاء البيضاويين بحضور الجمهور المغربي ولنساهم كل حسب استطاعته إضافة لمداخيل المقابلة من أجل والدي أيت العريف».
فريق الوداد الرياضي لم ينس ابنه السابق، وقرر التضامن معه، إذ خصص له مداخيل مباراته أمام شباب الريف الحسيمي، التي أجريت يوم السبت الأخير في ملعب محمد الخامس.
وضخ الوداد الرياضي مبلغ 51 مليون سنتيم، في حساب بنكي أنشأه لصالح عبد الحق أيت العريف.
وإلى جانب مبلغ الـ51 مليون سنتيم، قرر لاعبو الوداد الرياضي التنازل عن منحة الفوز أمام شباب الريف لصالح أيت العريف، الشيء الذي من شأنه رفع «مساهمة» الوداديين إلى أزيد من 65 مليون.
فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية، قرر هو الآخر، المساهمة بـ10 ملايين سنتيم من أجل دعم عبد الحق أيت العريف، ودعا أعضا مكتبه الجامعي إلى المساهمة بدورهم، بالمبلغ ذاته، من أجل تمكين اللاعب الودادي السابق من العودة إلى وطنه دون متابعات قانونية بعد تعرضه للنصب من طرف مواطن جزائري ، يدعى سمير السعدي.

«نصاب» يلتف حول عنق أيت العريف ويوقعه في مكائده
اختار أيت العريف، بعد انتقاله إلى الرجاء، صديقا جزائريا، يدعى سمير السعدي، قربه منه وأطلعه على جميع تفاصيل حياته الشخصية، ومنحه ثقة مطلقة، عمياء، شاركه طعام بيته، فراش نومه، لكن لم يكن يدري أن هذا الصديق، عدو في الحقيقة، يتربص به، أظهر له توددا، هو في الأصل مكيدة أوقعه فيها.
أقنع الجزائري صديقه أيت العريف بإقامة مشروع للأجهزة الالكترونية في كل من الدار البيضاء وبركان، فعلا رسما الخطوط العريضة لكل تفاصيل المشروع. در المشروع، في بدايته، أرباحا مالية قاربت الـ30 مليون سنتيم، في ظرف زمني وجيز، ما جعل أيت العريف يثق أكثر في صديقه، فمنحه دفتر شيكاته، موقع على بياض، استغله الجزائري لسحب ما يفوق نحو 300 مليون سنتيم، كما سحب كميات مهمة من الأجهزة الالكترونية من تجار حي درب غلف، قدم لهم شيكات بدون رصيد واختفى، تاركا اللاعب في مأزق، وملاحق من طرف الأمن المغربي. يقول أيت العريف، في حوار سابق مع «أخبار اليوم»، حول ظروف وثوقه في المواطن الجزائري، إنه لا يدري كيف وضع فيه ثقته الكاملة، دون احتراس، ولا يعلم كيف وقع له شيكات على بياض، مضيفا: «لا أدري كيف وقع ما وقع، كنت أنفذ كل ما يطلبه، شيء ما غريب حدث لي وقتذاك»، مضيفا بصوت متقطع، ينطق ألما متحدثا عن «عدوه»: «الله ياخذ فيه الحق». اللاعب المغربي لم يستعبد أن يكون قد تعرض لشيء غير عادي من طرف الجزائري، يقول: «لقد ذهبت معه إلى مدينة بركان، ودعاني لزيارة مكان ديني، ومنذ ذلك الحين، وأنا أثق فيه ثقة عمياء»، مضيفا: «لم أعد أريد شيء، لم تعد لي طموحات ولا أهداف، أريد فقط العودة إلى وطني في سلام..أريد فقط أن العيش إلى جانب عائلتي وفتح صفحة جديدة، لا أريد أن أقضي بقية حياتي منفيا، مغتربا عن بلادي».

أيت العريف متأثرا: من فضلكم.. رجاء.. أريد العودة إلى وطني
عبر عبد الحق أيت العريف عن امتنانه لكل من تضامن معه، أخيرا، خاصة من مكونات الوداد الرياضي، بداية من الرئيس سعيد الناصيري، وجمهور القلعة الحمراء، وخاصة إلترا «وينيرز».
وقال أيت العريف، في اتصال هاتفي مع « اليوم24»: «أعجز عن وصف ما شعرت به بعد مشاهدتي لحملة التضامن معي، لهذا أريد التأكيد أني لا أريد شيئا من الحياة، أريد فقط العودة إلى وطني الأم، فما يؤلمني أكثر أن جزائريا، مجرما، هو سبب ابتعادي عن وطني». وأضاف اللاعب ذاته بتأثر بالغ: «لم أعد أريد ممارسة كرة القدم، ولم أعد أريد مالا، ولا أي شيء، فليأخذوا كل شيء، فقط أريد العودة إلى بلادي، أريد فقط أن أعود للعيش وسط أمي وأبي، لا أطيق أن أبقى مغتربا عنهما، لا أتخيل أن أقضي بقية حياتي بدونهما».
وشكر أيت العريف، على وجه الخصوص، سعيد الناصيري، رئيس الوداد الرياضي، وإلترا «وينيرز»، التي قررت دعم اللاعب أيضا ماليا، وقال: «نحن المغاربة إخوة، أعرف هذا الأمر جيدا، ليس هناك من مغربي يقبل أن يتعرض أخوه لمكروه، خاصة من طرف نصاب جزائري، لهذا فأنا تأثرت كثيرا بكل التضامن معي، وأعد كل من تضامن معي، أني مستعد لخدمته كيفما يريد في حال عودتي إلى بلادي». وحول شريط الفيديو الذي كان قد بث ويظهر فيه والداه يستعطفان جلالة الملك محمد السادس، قال أيت العريف: «صراحة لم أكن أعلم بذاك الفيديو شيئا، لقد اتصلوا بي وأخبروني به، وحين شاهدته، لا يمكن أن أعبر لكم عن تأثري به… لا يمكن أن أصف شعوري ووقتذاك… رجاء، رجاء، أريد فقط العودة إلى بلادي… أريد فقط العيش وسط عائلتي».