اخبار جهة مراكش | الأربعاء 14 نوفمبر 2018 - 17:02

المفكر اللبناني وجيه كوثراني يفكك مأزق مشروع “المواطنة” وتعثر “الدولة الوطنية” بندوة علمية بقلعة السراغنة

  • Whatsapp

توفيق عطيفي – مراكش الآن
في تحليله لمأزق المواطنة وتعثر الجواب على سؤال الانتقال إلى الدولة الوطنية، أكد المفكر اللبناني وجيه كوثراني، أن المجتمعات العربية عندما دخلت مرحلة التنظيمات الحديثة في أواخر القرن 19 ولاحقا مرحلة الدساتير والقوانين المقتبسة من الدساتير الأوروبية سواء بعد الحرب العالمية الأولى أو بعد الحرب العالمية الثانية، دخلت هذه الدول عمليا في تاريخ جديد وحديث، لكن بحمولة ثقافية واجتماعية وسياسية تقاطع فيها المعطى الأنتربولوجي الثقافي للجماعات والملل مع عقلية التاريخ السلطاني الذي ميز ظاهرة قيام الدول ومراتبها ووسائل السلطة فيها، معتبرا أن هذا التقعيد يستند على مقومين اثنين هما: العصبية وسيلة للسياسة وكون الدين عنصر استقواء في السياسة وفقا لمعادلة ما أسماه بالتوصيف الاسلامي، وذلك في سياق استعراضه لإسنتاجات درسه الجامعي بالمركز الجامعي لقلعة السراغنة، يوم الاثنين 12 نونبر الجاري، تحت عنوان:” في مأزق مشروع المواطنة وتعثر الانتقال إلى الدولة الوطنية”، بحضور الدكتور محمد الغالي مدير المركز الجامعي بقلعة السراغنة، فريدة بناني أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بمراكش، الدكتور عبد الرحيم العلام أستاذ علم السياسة بنفس المركز، إلى جانب عدد من الأساتذة الباحثين والطلبة والمهتمين بقضايا الفكر التاريخي، بمنتزه المربوح بمدينة قلعة السراغنة.
وشدد أن فهم إشكالية المواطنة بالنسبة اليه يقوم على الفهم الانتربولوجي التاريخي على المستوى الابستيمولوجي والمنهجي، والذي أوصله الى مصطلحات ومخرجات جديدة، غير أن الأنساق والسياقات تكاد تكون متماهية على أن ها التقاطع بين الأنتبرولوجي والسياسي أي الثابت والمتحول عادة ما تتقاطع مع الحداثة سياسية المقتبسة على مستوى الدساتير والقوانين بصورة خاصة، تقاطع ترتب عنه فهم هجين من الثقافة السياسية والممارسة السياسية لدى أجيال من النخب العربية، وقال: “المشكلة ليست في الدساتير والنصوص والقوانين، المشكل في الثقافة السياسية التي من خلالها نغول الدستور أو نعدل عن تطبيقه وهو ما يعيق الخروج من مأزق المواطنة وبالتالي النصوص لا تراوح مكانها نتيجة الالتباس بين بنيتين ماديتين الأولى تدعو إلى التطور والثانية تشد إلى السكون رغم تقابل عناوين الزمن التاريخي العربي، من فدرالية الى قومية إلى إسلامية إلى ليبرالية كما هو حال اليوم “، تجاذب يطلق عليه في الكثير من كتاباته بالانتقال من أزمة الاجتماع السلطاني إلى الاجتماع الوطني، والتي تولد عنها تلازميا نقاش وجدلية الدين والسياسة، مستعرضا في هذا الصدد إحدى اخطر المشكلات التي تشكو منها بعض الدول العربية وهي مسألة المسيحيين في المجتمعات المشرقية وماهية مصطلح التسامح والحماية المتجاوز ومصطلح الإصلاح الديني والعلمنة وأخيرا مفهوم الدولة المستحيلة الذي جاء به الباحث الفلسطيني وافي المحلة.
وبخصوص الخلفية التاريخية لمسألة المواطنة بالمنطقة العربية، وقف المفكر اللبناني كوثراني، عند مسارين مترابطين رافقا تحول في الدولة العربية والحديثة عموما لا سيما في تلك الدول التي ارتبط تاريخها بالسلطنة العثمانية:
– المسار الأول: مسار التحول من دولة سلطانية إلى دولة أمة، حيث الدولة السلطانية هي الإمبراطورية المتعدد الأديان والإثنيات، فيما الدولة الأمة تقوم على أمور محددة المساحة وعلى شعب ذي خصوصيات تاريخية وثقافية وذاكرة جمعية، حتى ولو كانت أسطورة أو تخيلا وفي هذا المتكون التاريخي يكون للفرد المواطن حقوق وواجبات، تنتظم كلها في ميثاق وعقد اجتماعي ودستور ينظم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لمجتمع الدولة ويكون أيضا للفرد المواطن هوية وطنية، هذه الأخيرة التي أوضح بخصوصها أنها ترجمت للعربية بشكل ملتبس الى مصطلح “الجنسية”، وقال:” يترتب عن هذه الهوية علاقة سلب أو استقطاب المواطنين ويصيروا مواطنين متساوين وكان للغرب السبق في انجاز الهوية بعد تراكمات تاريخية، أما في الوطن العربي قضية الاشتغال الاجتماعي والأهلي يتطور بين حين وآخر الى حروب أهلية، يترتب عنها تهجير وهجرة لا سيما في المشرق العربي، حيث تعدد الأديان والمذاهب والاثنيات في بعض المناطق وهذا المسار لا زلنا نتحمل تبعاته وعنوانه التحول من صيغة سلطنة إلى صيغة دولة وطنية”.
– المسار الثاني: يقول الدكتور كوثراني أنه يضرب بجذوره عميقا في تاريخ التجربة الإسلامية، والمتعلق بمسألة أهل الذمة، في الدولة المسماة نظريا بالدولة الإسلامية ما هي في الحقيقة إلا دولة سلطانية أو دولة الملك التي استقوت كما يقول ابن خلدون بمقومين العصبية والدعوة الدينية. أما أهل الذمة في مجتمع الرعية فهم أهل الكتاب الذين لهم عهد من الفاتح أو الحاكم بممارسة شعائرهم ودياناتهم في إطار مؤسساتهم وكياناتهم الدينية مقابل دفع الجزية يقول نفس المتحدث، وأضاف أنه ما من شك في أن نظام أهل الذمة الذين درسهم الكثير من الباحثين العرب وغير العرب يشملهم التسامح فيه بالمقارنة مع الصيغة التي شهدتها مراحل عدة من المسيحية في أوروبا والقائمة على مقولة “الناس على دين ملوكهم”، مما اعتبره مؤشرا يعكس جانبا من الفرق الكبير بين التجربة المسيحية في القرون الوسطى والتجربة الإسلامية في نفس الفترة، من جبر لأهل الذمة باعتناق المسيحية في القرون الوسطى عكس الاسلام الذي لم يكن حكامها يجبرونهم على ذلك خاصة في نهاية مراحلها، واسترسل قائلا: “هذا التوطين الملي كان فيه جدل بين مجموعة من الكتاب، وغالبهم شاد بهذا التنظيم على قاعدة أنه دين متسامح، وهو ما اشاد به أحد المفكرين في كتابه” الحرب والسلم في الإسلام” والذي يتضمن نصا لمارثن لوثر موجه الى النبلاء الألمان والنمسا، أثار فيه تخوفه من إمكانية تحول فلاحيهم إلى الاسلام، وهو ما جرى في البلقان لما نسب للدولة العثمانية من التسامح.
وتعرض الدكتور كوثراني بالتحليل العلمي الرصين، لفكرة التسامح والمواطنة في البيئة العثمانية التي اعتبرها نموجا جديرا بالتحليل العلمي، حيث اعتبر أن صيغة أهل الذمة وصيغة أهل الملة العثماني حققت بعض التسامح نوعا ما، لكنها لم تغير فكرة المواطنة وشروط تطور المواطنة، وأن فكرة التسامح التي يستعملها الخطاب العربي الحديث، لا سيما الخطاب الإسلامي المعاصر منذ عصر النهضة وحتى يومنا هذا تحتاج إعادة النظر وقال: “من الناحية الابستمولوجية المعرفية والعلمية والمنهجية، لكي لا نخلط الأزمنة التاريخية التي تربط الماضي بالحاضر أو لكي لا نخلط الذاكرة والتاريخ، الذاكرة تحمل صورا عن الماضي وليس حقائق الماضي، دائما الذاكرة تبطن صراحة تشي بدلالات موقف الطرف المسيطر من الأقوام”، وأن التسامح في هذه الحالة ما هو إلا تحصيل حاصل لنتائج وسياسات الحماية، التي لا تعني شيئا غير الإشراك لما يقتضيه عقد الذمة الذي يقطعه الحاكم مع بعض رعاياه من غير المسلمين، وهنا تحول نظام الملة العثماني إلى موضوع أو مساهمة في نظام الامتيازات الأجنبية المبني على مطالبة الدول الأجنبية للدولة العثمانية بحماية رعاياها المنتمين إلى دين شعبها كالأرتوذوكس أو الكاثولكية “ومعنى ذلك أن نظام الملل هو الذي أدى إلى إنتاج ا يسمى بنظام الحماية والذي لا زال يجر تداعياته إلى يومنا هذا وهو بديل لحماية السلطان، حين عجز عن حماية الأقليات تتدخل دولها الأصل لحمايتهم محله، والى حد الآن لا زال هذا المنطق لكن تحت مسميات أخرى كحقوق الإنسان وهذا من عقبات تحول الأقليات إلى مواطنين”.
وخلص المفكر اللبناني الذي خصه طلبة المركز الجامعي لقلعة السراغنة باستقبال يليق بأهل الفكر والعلم، إلى أن سياسات الحماية أصبحت جزء من الثقافة السياسية التي يتشابكها الحاكم المحلي والدول الأجنبية، وفقا لموازين القوى بين الطرفين أو للأدوار والوظائف الموزعة بينهما، وهو الأمر الذي أعاق فعالية التنظيمات العثمانية الحديثة وأعاقت الدسترة العثمانية والعربية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، عبر هذه الدسترة التي تطمح أن تنتج مواطنا على قاعدة أقوى وهي المساواة وليس التسامح والحماية.