أراء | الثلاثاء 31 يوليو 2018 - 23:53

العطاتري..”أمير المؤمنين يخاطبكم:اتقوا الله”

  • Whatsapp

عزيز العطاتري / باحث في سلك الدكتوراه 
لا أظن أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 19 لعيد العرش مناسبة للإشادة وإطلاق التصريحات الرنانة، بقدر ما هو محطة للتشمير والعمل وفق ما تقتضيه المرحلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حاولت الاستماع للخطاب الملكي واستخلاص بعض القيم، وسماع ملك البلاد باعتباره أميرا للمؤمنين، أكثر منه رئيسا للدولة، وبالتالي محاولة استخلاص بعض القيم، التي سيتحدث عنها، ومعرفة الجهة المعنية بها، في ظل اندثار قيم النبل وسيادة قيم النهب، وغياب قيم الرحمة وهيمنة قيم “الهمزة”، وموت قيمة الفضيلة وحياة قيم الغنيمة والهزيمة… تحدث أمير المؤمنين بمنهجية علمية تمثلت في توجيه رسائل إلى المواطن المغربي، وأخرى للجماعة المتمثلة في الحكومة، والنقابات، والأحزاب السياسية، وغيرها من الجماعات المعلنة والمضمرة، وبالتالي فهو للجميع: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
الثورة الحقيقية هي ثروة الأخلاق والقيم، خصوصا تلك التي افتقدناها كالرحمة في التعامل فيما بييننا كمواطنين، والرحمة في التعامل مع وطننا الأم، ورحمة القوي بالضعيف، لكن دون أن ننسى رحمة الحكومة بنا من جحيم المستشفيات، والأقسام المدرسية، وجحيم عدم وفرة الماء والكهرباء، والبناء العشوائي، وإZلاح القضاء، وكل ما يتعلق بالتنمية الاجتماعية والبشرية. الملك بوصفه أميرا للمؤمنين خاطب المغاربة جميعا دون استثناء، وأظهر لهم أنه يعي محنهم، ويعرف حقيقة وضعهم، ويعي معاناتهم، لكن ما العمل؟. لذلك أصدر تعليماته إلى وزراءه للتحرك والعمل رحمة ورأفة بنا.
انتقل أمير المؤمنين إلى ظاهرة تقتل المغرب وتجعل قديمه ويديه مغلولتين، وتشده إلى الوراء، وتكبح عجلة التنمية عن التقدم. أشهر أمير المؤمنين ملفا تنبعث منها رائحة كريهة، يشمها المغاربة يوميا في الإدارات، والمؤسسات،… وهي الرشوة، هذه الأخيرة، التي أصبحت امرأة خبيثة غير شريفة، تلوث الوطن بعهرها وسوء خلقها، وبالتالي فالنزاهة والاستقامة ونظافة اليد، قيم صار من المفروض أن نتحلى بها وأن نعيشها وتعيش فينا، ونقطع مع زمن “دهن السير يسر”، وسمفونية “غير شي قهيوية”، وغيرها من اللازمات، التي يسمعها الفقير والغني، المرأة والرجل، في مؤسسات تسلل إليها أشخاص لا ظمير لهم ولا أخلاق، وبدل أن يكونوا في غياهب السجون، ليكونوا عبرة لمن يحاول أن يمد يده إلى أموال البلاد والعباد، نجدهم على كراسي المسؤولية يتحكمون في الرقاب والأرزاق.
إذا كان أمير المؤمنين عبر عن رفضه لخطاب السلبية وبيع الوهم للمواطنين، فإن هذا ينقلنا جميعا للسؤال عن الوهم، الذي تبيعه أحزاب للمواطنين يوم الانتخابات، ومسؤوليتها عن التيئيس والنفور من الوطن، والهجرة إلى أوطان الغربة، وبيعها للوهم وزرع نفسية النفور من كل ما علاقة بالشأن العام الوطني بالوطن. أليست تلك الأحزاب هي التي تورط بعض البرلمانيين والمنتخبين، الذين قدمتهم للترشح في لوائحها، في قضايا الفساد ونهب المال العام؟ بيد أن قول أمير المؤمنين بأن الأحزاب السياسية مدعوة لاستقطاب النخب والشباب، أمر يحتاج في نظري إلى دورة حضارية جديدة، يصدّق فيها الشباب تلك الأحزاب، ويتصالح معها، ويغير نظرته إليها، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا عبرت له عن ثوبتها من المحسوبية، والكولسة، وترشيح الأغنى وليس الأكفىء أو الأصلح،…
الملك تحدث بقيم مضمرة في كلامه، نتمنى أن يتلقفها المواطن، والأحزاب، والحكومة، والنقابات، والمسؤولين عن شأن هذا البلد، إذ ما فتئ يؤكد على أن قضايا المواطن لا تقبل التأجيل، وأن الوزراء مطالبين بتصحيح اختلالات قطاعاتهم، وتصحيح عيوب بعض المشاريع، التي لم تعطي أكلها، رغم رصد إمكانيات مهمة لها، من قبيل التعليم، والصحة، والمبادرة الوطنية لتنمية البشرية، والإستثمار، … لكن أظن أن العبارة، التي يجب أن يضعها سعد الدين العثماني، ووزراءه، ومدراء المؤسسات العمومية، وزعماء الأحزاب وقيادييها، وقادة النقابات ومناضليها، وكل المغاربة جميعا، نصب أعينيهم هي: اتقول الله في وطنكم، وفي بعضكم البعض، لذلك ختم أمير المؤمنين خطابه بقوله تعالى: “ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”. صدق الله العظيم.