اخبار جهة مراكش | الخميس 21 يونيو 2018 - 17:24

الوزير بن عبد القادر من مراكش: التنمية المستدامة تكتسي بعدا شاملا وتتطلب تعبئة جماعية متواصلة

  • Whatsapp

المملكة المغربية

رئيس الحكومة
وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية

كلمة السيد الوزير
خلال المنتدى الوزاري الإفريقي الرابع عشر
لتحديث الإدارة العمومية ومؤسسات الدولة
على هامش الدورة السادسة والخمسين
لمجلس إدارة الكافراد

21 يونيو 2018

السيدات والسادة الوزراء،
أصحاب المعالي رؤساء وفود الدول الشقيقة والصديقة،
أصحاب السعادة السفراء،
السيدات والسادة مسؤولو وخبراء المنظمات الإقليمية والدولية،
حضرات السيدات والسادة،

يسعدني في البداية أن أرحب بأصحاب المعالي السيدات والسادة الوزراء وسفراء الدول الشقيقة والصديقة ورؤساء الوفود في هذا المنتدى الإفريقي الرفيع المستوى الذي ينعقد بمناسبة التئام الدورة السادسة والخمسين لمجلس إدارة المركز الإفريقي للتدريب والبحث الإداري للإنماء (الكافراد)، والذي يشكل موعدا منتظما للتداول حول قضايا التنمية الإدارية والسبل الكفيلة بتحديث الإدارة العمومية.

كما أرحب بجميع الضيوف الكرام، وبشركائنا من مختلف الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية وكافة المشاركات والمشاركين في أشغال المنتدى الإفريقي الرابع عشر الذي ينظم على هامش منتدى الأمم المتحدة للخدمة العمومية، المنعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي يتمحور حول “تحويل الحكامة: نحو تحقيق أمثل لأهداف التنمية المستدامة”.

ومن المؤكد أن المنتدى الإفريقي، في دورته الحالية، سيمثل فضاء فكريا مهما وفرصة سانحة لتبادل الآراء وإثراء النقاش بين الفاعلين والخبراء الأفارقة والدوليين حول ترسيخ الحكامة العمومية بما يسهم في تحقيق التنمية الشاملة في البلدان الإفريقية. كما سيمثل مناسبة لتباحث أفضل السبل للتقدم ببلدانها في بلوغ أهداف التنمية المستدامة والوفاء بالتزاماتنا الدولية المشتركة.

حضرات السيدات والسادة،

تشكل التنمية المستدامة في القارة الإفريقية اليوم قضية مركزية لمختلف الدول والحكومات التي أولتها اهتماما خاصا ضمن استراتيجياتها الوطنية وسياساتها العمومية الرامية إلى النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنات والمواطنين. ولذلك، أضحت التنمية المستدامة أولوية الأولويات، ليس فقط على الصعيد المحلي الذي يتعلق بكل بلد على حدة، بل أيضا على الصعيد الإقليمي الذي يهم القارة الإفريقية برمتها. فالتنمية المستدامة، في السياق الإفريقي الراهن، تكتسي بعدا شاملا لكونها في صدارة التحديات المشتركة التي تتطلب تعبئة جماعية متواصلة لتحقيق النماء المنشود.

إن هذه المقاربة الشاملة للتنمية في إفريقيا هي جوهر الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وعمله الدؤوب من أجل الدفع بمختلف المبادرات التنموية الرائدة على صعيد القارة. فقد حرص جلالة الملك، بمعية أشقائه الرؤساء الأفارقة، على تعزيز الشراكات الاستراتيجية وتفعيل المشاريع المشتركة في ميادين التنمية ذات الأولوية. وهكذا، شكلت مبادرات المملكة المغربية اتجاه القارة الإفريقية نموذجا للتعاون المثمر جنون – جنوب المرتكز على المقاربة المندمجة والقائم على مبدأ التضامن. وترجمة للاعتزاز بالانتماء الإفريقي، يمثل هذا الخيار الاستراتيجي – كما أكد على ذلك الخطاب السامي لجلالة الملك بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لثورة الملك والشعب – التعبير الواعي عن وحدة المصير المشترك بدء من المرحلة الأولى للكفاح المشترك من أجل الحرية والاستقلال، مرورا بالمرحلة الثانية لبناء الدول الإفريقية المستقلة على أساس احترام سيادة بلدانها ووحدتها الوطنية والترابية، ووصولا إلى المرحلة الراهنة المخصصة للعمل التضامني من أجل العمل التضامني لتحقيق التنمية والتقدم المشترك الذي تطمح إليه الشعوب الإفريقية.

وانطلاقا من الإرادة القوية التي تؤكد عليها القيادات الإفريقية، لا يوجد أمام إفريقيا إلا خيار الأمل والتنمية المستدامة والعمل المشترك والتوجه نحو المستقبل الواعد الذي يتعين الإعداد له بشكل جماعي مكثف. الخيار الإفريقي الممكن لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة يكمن في الروح التشاركية لمختلف المتدخلين: فاعلين حكوميين وقطاع خاص ومجتمع مدني، من أجل محاربة الفقر والهشاشة وتقوية آليات الإدماج الاجتماعي وضمان الكرامة الإنسانية. ولن يتأتى ذلك إلا بتكثيف آليات الشراكة وتوسيع مجالات التعاون من خلال مضاعفة وتيرة تبادل التجارب والخبرات المتعلقة بالبرامج الاستثمارية والقدرات المؤسساتية والحكامة العمومية وغيرها.

حضرات السيدات والسادة،

لعل من بين المداخل الأساسية، بل والحاسمة، لبلوغ أهداف التنمية المستدامة ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة في تفعيل وتقييم مختلف السياسات العمومية ذات البعد التنموي. فالحكامة الجيدة كفيلة بتعزيز العمل العمومي وصيانة المخططات والبرامج التنموية من الاختلالات التدبيرية الممكنة والانحراف عن الأهداف المسطرة. وعلى هذا الأساس، يشكل تطوير آليات الحكامة عنصرا أساسيا ضمن الجيل الجديد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تقبل عليها القارة الإفريقية في مسارها التنموي.

وفي هذا الإطار، توجد ضمن الإصلاحات الكبرى التي ينبغي إيلاؤها أهمية قصوى مسألة ترسيخ الحكامة العمومية الجديدة داخل المنظومة الإدارية التي تعتبر بحق الدعامة الرئيسية لأي مشروع تنموي طموح. وهو ما يستدعي إعادة النظر في طرق بلورة وتفعيل وتقييم السياسات العمومية بما يجعل خدمة المواطن المحدد الأبرز لتدبير الشأن العام. كما يقتضي الأمر مراجعة الأدوار التقليدية للدولة وإقرار اللاتمركز الإداري واعتماد أساليب أنجع لضمان التقائية السياسات التنموية العمومية.

إن ترسيخ الحكامة العمومية والحرص الدائم على إنجاز التحويل الضروري لمنظومتها سيساهم لا محالة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالقارة الإفريقية في أفق 2030. ومن شأن ذلك تمكين البلدان الإفريقية من ضمان النجاعة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتجسيد الاستدامة البيئية. كما سيمكنها من إحداث التحولات الهيكلية في البنيات الإدارية بما يضمن جودة الخدمة العمومية والاستجابة لتطلعات جميع الأفارقة وضمان حقهم في العيش الكريم.

 

حضرات السيدات والسادة،

إن المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال الحكامة، على أهميتها، لا ترقى إلى مستوى طموحاتنا وتطلعاتنا في ضمان التقائية السياسات العمومية في المجالات التنموية الهادفة إلى تحسين شروط العيش الكريم. ولذلك، ينبغي أن نضاعف من مجهوداتنا للالتزام بالحكامة الديمقراطية المؤسسة على دعم الآليات التشاركية من أجل إقرار مؤسسات شفافة ومنفتحة. وينبغي أيضا الإقدام على الإصلاحات المؤسساتية اللازمة لإرساء منظومة الحكامة الجيدة بشكل يجعلها قادرة على استيعاب تغيرات العالم المتسارعة والاستثمار الأمثل للتكنولوجيات الحديثة.

وانسجاما مع هذه المتطلبات، حرصت المملكة المغربية على إطلاق دينامية جديدة لإصلاح الإدارة العمومية تتوخى تفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بمبادئ الحكامة الجيدة. ويهدف الإصلاح الإداري إلى إقامة المرتكزات الصلبة لإدارة ناجعة قادرة على إسناد النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله من أجل الاستجابة لحاجيات المواطن عبر خدمات عمومية جيدة. ومن أجل إرساء إدارة ناجعة في خدمة المواطن والتنمية، توجهنا نحو إحداث أربعة تحولات هيكلية تهم الجوانب التنظيمية والتدبيرية والرقمية والتخليقية من خلال تطوير المنظومة التشريعية وتقوية التواصل المؤسساتي وترسيخ التقييم المنتظم ودعم التعاون الدولي. وضمن هذا التصور الخاص بالإصلاح الإداري، تم اعتماد جملة من التدابير المندمجة الرامية إلى تعزيز الحكامة الجيدة في الإدارة العمومية من أجل الارتقاء بالأداء الإداري وتكريس مبادئ النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

حضرات السيدات والسادة،

إن الإقدام على الإصلاحات الجريئة لترسيخ الحكامة العمومية الجيدة ينبغي أن يكون عنصرا مندمجا في العمل الاستراتيجي التي نقوم به من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة على الصعيد الوطني. ولإنجاح هذه الإصلاحات، يتعين تطوير سياساتنا التنموية العمومية من خلال تقوية المؤهلات والقدرات الوطنية وتعزيز الكفاءات والنخب الإدارية القادرة على الإسهام في تحقيق التنمية الإفريقية الشاملة.
وفي هذا الإطار، لا يسعني إلا أن أؤكد على الدور الحيوي الذي يمكن أن يضطلع به المركز الإفريقي للتدريب والبحث الإداري للإنماء (الكافراد) في هذا المجال بحكم تجربته وخبرته المتنوعة. وسيظل الهاجس المشترك للتنمية المنصفة والمتضامنة في إفريقيا محفزا لنا جميعا من أجل توسيع وتطوير آليات جديدة للتعاون الهادفة إلى تعزيز الحكامة العمومية بالبلدان الإفريقية. وبكل تأكيد، لن تكون الإدارة الإفريقية ناجعة إلا إذا استطاعت تجسيد أمل الملايين من الأفارقة في حياة أفضل: الحياة التي يستحقونها، وليس الحياة التي يعيشونها.