اخبار جهة مراكش | الخميس 17 مايو 2018 - 11:47

خشيشن من مراكش: غياب ميثاق اللاتمركز يعيق التدبير الجهوي بالمغرب

  • Whatsapp

كشف رئيس مجلس جهة مراكش أسفي، احمد خشيشن، أن مشروع الجهوية المتقدمة خصوصيته، يستمد قوته مـن كونه يروم في الآن نفسه تحقيق هدف توسيع حقل الديمقراطية التمثيلية الجهوية، وجعلها رافعة للتنمية الاقتصادية والبشرية المندمجة والمستدامة، بُغية الحد من الفوارق، وصيانة كرامة المواطنين، والنهوض بدينامية النمو، وبتوزيع منصف لثماره.

وقال حشيشن في ندوة علمية في موضوع “الجهوية المتقدمة رافعة للتنمية المستدامة”، احتضنتها صباح يوم الثلاثاء الماضي، بالقاعة الكبرى بمتحف محمد السادس لحضارة الماء بمراكش، إن المغرب قد اختار منذ الاستقلال الديمقراطية التمثيلية التعددية واللامركزية، كخيارين اسـتراتيجيين لا رجعة فيهما، ذلك أن هـذا النمط من الحكامة الترابية يمنح السكان، من خلال المجالس المنتخبة، سلطة تدبير شؤونهم المحلية، مضيفا أن اللامركزية، قد مرت على المستوى المؤسساتي، بمجموعة مـن المراحل الكبرى، انطلقـت أولاها في بداية الستينات، وتطورت بعدها عبر محطات حاسمة، خصوصا في سـنة 1976، التي شـكلت تحولا حقيقيا في مسار اللامركزية، تلتها مجموعة مـن الإصلاحات المنتظمـة والمتوالية سـنوات 1992 و2002 و2009.
وأوضح أنه منذ صدور القانون التنظيمي المتعلق بالجهات رقم 111.14، وبعد مرور أزيد من سنتين على تطبيق الجهویة المتقدمة ببلادنا، وإجراء أول انتخابات مباشرة للجهات بتاريخ 4 شتنبر 2015، واقتراب بلوغ الولایة الجهویة الجديدة منتصف طریق هذه التجربة، التي طالما اعتبرت الإطار المناسب لتحقيق التنمية المندمجة والمستدامة، یكون من المهم جدا فتح النقاش حول هذا الموضوع، من أجل تقییم المرحلة والوقوف عند مدى تنزيل مشروع الجهوية على أرض الواقع، ومدى تحقيق الجهوية المتقدمة للأهداف التي أحدثت من أجلها.

وأكد خشيشن، لقد تم الارتقاء بهذا المشروع المجتمعي من جهویة ناشئة إلى جهویة متقدمة، بعد تجربتین جهویتین سابقتین، انطلاقا من رؤية ملكیة تعتبر “الجهویة لیست مجرد قوانین ومساطر إدارية، وإنما هي تغییر عمیق في هیاكل الدولة، ومقاربة عملیة في الحكامة الترابیة”، وهو ما یتطلب القیام بإصلاح عمیق للمؤسسات على الصعید الجهوي والمحلي، وتفعیلا، أیضا، لما كرسه دستور الفاتح من یولیوز 2011، وهذا ما یجعل من النظام الجهوي الجدید الذي أسس له دستور 2011 وأطره القانون التنظیمي للجهات، وتعزز بمجموعة من المراسيم التطبيقية الصادرة مؤخرا، خیارا استراتيجيا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وجوابا على إشكالية الديمقراطية المحلیة، وذلك بإسناد اختصاصات ذاتية ومشتركة ومنقولة للجهات في میادین التنمیة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحیة، وبتعزیز مكانة رئیس الجهة واختصاصاته من ناحیة أخرى..”
وأبرز أن الخطب الملكية المتتالية شكلت خارطة طريق واضحة، حيث دعا جلالته في خطاب العرش لسنة 2008 إلى اعتماد نهج الحكامة الترابية المحلية الذي يقوم على النهوض باللامركزية والجهوية الموسعة والإسراع باللاتمركز. مشتحضرا خطاب صاحب الجلالة سنة 2010 بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، وهي اللجنة التي عملت على تحديد معالم الجهوية المتقدمة، باعتبار الجهة جزءا من هياكل الدولة، فضلا عن الخطاب الملكي الافتتاحي للبرلمان سنة 2016، حيث اعتبر جلالته أن الجهوية أصبحت واقعا ملموسا، وهو ما تمت تزكيته في الخطاب الافتتاحي للبرلمان سنة 2017 بدعوة جلالته إلى اعتماد أجندة واضحة لنقل الموارد والاختصاصات، مؤكدا أن الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في الملتقى البرلماني الثاني للجهات، حثت على ضرورة استكمال وتفعيل الجهوية، وهو ما عبر عنه جلالته بقوله: ” إننا على وعي تام بأن ورشا كالجهوية المتقدمة، هو مشروع يمتد على المدى البعيد، يستوجب التحلي بكثير من الحزم لرفع الجمود، واليقظة لمواجهة العقليات المحافظة، والتفاعلية من أجل التكيف والتعديل والملاءمة بكيفية مستمرة.”

فبالإضافة إلى المرجعية الدستورية والخطب الملكية، قال خشيشن في ذات الندوة أن الإطار القانوني المؤطر للجهات قد خصص مقتضيات دالة تمكن الجهات من وسائل التنمية المجالية، تتمثل أساسا في برامج التنمية الجهویة والتصاميم الجهویة لإعداد التراب، وتجعلها تحتل مكانة الصدارة في إعداد وتتبع هذه البرامج والتصاميم، وهو ما یفید أن جمیع المخططات التي ستتخذها الجماعات الترابية الأخرى في المیدان الاقتصادي والاجتماعي وغیرها من المیادین یجب أن تكون مطابقة لتلك المتخذة من طرف الجهة، وذلك من أجل ضمان نوع من التنسیق والحد من الفوارق والتداخل والاختلالات التي قد تكون داخل الجهة، وجعل هذه الأخیرة المؤسسة الترابية الوحيدة المسؤولة عن برمجة أرضیات وخطط مندمجة للتنمیة الجهویة.
وأبرز أن الإطار القانوني للجهویة قد كرس نظاما لامركزیا قویا في أفق تحقیق الجهویة المتقدمة، وذلك من خلال التنصیص على المبادئ الأساسیة المؤطرة للجهة كجماعة ترابیة، وهي مبدأ التدبیر الحر، ومبدأ التضامن والتعاون، ثم مبدأ التفریع. كما أعطاها مكانة متمیزة في تحقیق التنمیة الجهویة وإعداد مجالها الترابي لبلوغ أهداف التنمية المندمجة والمستدامة المنشودة، وخولها اختصاصات هامة ذاتية ومشتركة وأخرى منقولة، موضحا أن المشرع الجهوية مكن من وسائل وآليات جدیدة للاضطلاع بمسؤولياتها كإحداث الصندوقین اللذان نص علیهما الفصل 142 من دستور 2011، وهما صندوق التأهيل الاجتماعي لسد العجز في مجالات التنمیة البشریة والبنیات التحتیة الأساسیة والتجهیزات المختلفة، وصندوق التضامن بین الجهات لضمان التوزیع المتكافئ قصد تقليص التفاوتات بین الجهات، وإرساء التوازن الجهوي المنشود، علما أن موارد ونفقات هذین الصندوقين تحدد بموجب قانون المالیة للدولة، وفضلا عن ذلك تم التنصيص على الرفع من حصص الجهات من مداخيل ضرائب الدولة، وهي الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات، وإحداث الرسم على عقود التأمين، وذلك زيادة على حقها في الحصول على حصة من الضريبة على القيمة المضافة طبقا للنصوص الجاري بها العمل، و أن هذا المشرع خصص عددا من المقتضيات القانونية التي تكتسي في مجملها صبغة إصلاحية تتوخى تزويد المجالس الجهوية بما تحتاجه من هياكل إدارية تتلاءم وطبيعة الصلاحيات التنموية المسندة إليها.

واستدرك خشيشن حديثه ” إلا أن تجربتنا في هذه المرحلة من التدبير الجهوي أبانت عن بعض مكامن الخلل التي تُكبل عمل الجهات، وفي مقدمتها غياب ميثاق اللاتمركز الذي يُشكل سندا لا مناص منه لتنزيل ورش الجهوية المتقدمة، ويُمكِّن من دعم الديمقراطية المحلية، وتطوير الخدمات الإدارية، وملاءمتها والانتظارات المحلية، ودعم فاعلية الإدارة اللاممركزة، عبر تحقيق انسجام السياسات العمومية على المستوى الترابي.”

و سجل بهذا الصدد عدم استكمال القوانين التنظيمية للجهات، وأن تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، يقتضي ضرورة استكمال المراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية، وتعميم الدوريات التفسيرية والدلائل التوجيهية التي همت المجالات القانونية والمالية والتقنية للجهات والجماعات الترابية الأخرى، وكذا آليات إعداد برامجها التنموية، والنظام الأساسي لمنتخبيها، وذلك حتى يتسنى توفير الإطار الملائم لهذه الجماعات الترابية، سواء مع الإدارة المركزية أو مع مصالحها اللاممركزة التي سيتم تمكينها من اختصاصات فعلية في إطار ميثاق اللاتمركز الإداري.

وأشار أن التحدي الأكبر لجعل الجهة فاعلا أساسیا في التنمية الجهویة، يبقى هو تمویل برنامجها التنموي، وهو ما یُبین الأهمیة القصوى التي تكتسیها وسائل تمویل الجهات للنهوض بمسؤولياتها، فالتوفر على الإمكانيات المالیة اللازمة یمكن أن یجعل من الجهات فاعلا اقتصادیا أساسیا لتطویر الاقتصاد المحلي، كما أن تقویة الموارد الذاتية للجهة یُكرس استقلالها المالي، ویُقوي قدراتها على تمویل برامجها التنمویة والأولويات الواردة فیها، في حین أن توسیع الاختصاصات بأصنافها المختلفة یتطلب توفر الجهات على موارد خاصة وقابلة للتطور باستمرار، موضحا أن الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال المنتدى البرلماني الثاني للجهات، أشارت إلى أن ورش الجهوية المتقدمة يشكل “ورشا ضخما يقتضي انخراط مختلف الفاعلين والتزام كافة القوى الحية والهيئات الاجتماعية في بناء الصرح الكبير، والتحلي بروح المسؤولية العالية، ومواكبة مختلف مراحله بما يلزم من التعبئة والإقناع، كما ينبغي التسلح بقدر كبير من الإصرار، ونهج سبل الحوار والتواصل من أجل الاستثمار الأمثل للإمكانيات الهائلة التي يوفرها الإطار المؤسساتي والقانوني والاستفادة من آثاره الايجابية”.