اخبار جهة مراكش | السبت 9 سبتمبر 2017 - 17:43

واقع التنمية بجماعة سيدي عثمان .. العين بصيرة واليد قصيرة

  • Whatsapp

“فين أيامك يا بوعثمان، وفين أيامك آبو عثمان، أكدات النار بلا دخان، ورا الطرابش كي بلعمان”، هكذا تغنت العيطة، في وقت مضى عن جماعة سيدي بوعثمان بإقليم الرحامنة، الواقعة على بُعد ثلاثين كيلومترا عن مدينة مراكش، والتي دخلت التاريخ إبان مواجهة المستعمر؛ لكنها صارت، اليوم، “بقرة حلوب” يتسابق عليها الأعيان.

تنمية معلقة!
لا يختلف اثنان، داخل بلدية سيدي بوعثمان، في أن هذه الجماعة تبقى بعيدة عن شعار التنمية المنشود؛ فلا مرافق عمومية، ولا مساحات خضراء، ولا ملاعب رياضية. أما شبابها فيعانون من عطالة دائمة !
واجهة الجماعة الحضرية ما زالت كما هي، بالرغم من مرور عشرات السنين عليها، إذ لم يطرأ عليها أي تغيير: مقهى وحيدة مترامية في الجانب الأيسر، أما في الجهة الأخرى، فالمحلات التي يمكن تسميتها مجازا بـ”التجارية” باتت آيلة للسقوط!
عندما يحل الليل، فإن الصورة تزداد قتامة وسوادا، ظلام دامس يعم المكان، بشارعها الرئيس عبر الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين الدار البيضاء ومراكش، تبقى الإنارة ضعيفة إن لم نقل منعدمة، فما بالك بوسط الأحياء!
ويرى يوسف الموساوي، الناشط الجمعوي بالمنطقة، أن السبب في هذا التقهقر الذي تعيشه الجماعة الضاربة في التاريخ يرجع بالأساس إلى “السياسيات الارتجالية والعشوائية في التدبير التي سلكها من تعاقبوا على تسيير الشأن المحلي منذ أن كانت جماعة قروية إلى أن تحولت إلى جماعة حضرية”.
وأوضح الموساوي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “فرص التنمية ما زالت متعثرة، ولا يزال الفقر والهشاشة والبطالة ورداءة البنيات التحتية إن لم نقل انعدامها وضعف الخدمات الاجتماعية أبرز السمات العامة للمنطقة”.

الصحة غائبة
تكاد المرافق العمومية بهذه الجماعة، التي تحولت إلى بلدية بين عشية وضحاها والتي لا تزال ترتدي جلبابها القروي، تكون منعدمة؛ وحتى إن وجدت فهي في عطالة مستمرة. ما إن تلج المستوصف المحلي حتى تجده فارغا وبدون معدات طبية، أطره الطبية لا تكلف نفسها عناء أكبر خلال استقبال النساء الحوامل اللواتي تقصدنه، إذ تسلمهن ورقة للانتقال إلى مراكش أو ابن جرير قصد الإنجاب!
وفي هذا الصدد، يقول الفاعل الجمعوي محمد العيداوي: “المستوصف يفتقر إلى التجهيزات وقلة الأطر الطبية، ويعرف نوعا من سوء التدبير”، مضيفا “جناح الولادة يعرف في الغالب وفاة إحدى النساء، إما بسبب تأخر سيارة الإسعاف أو لغياب مولدة ليلا أو غياب تجهيزات الأوكسجين. أما دار الأمومة فأبوابها مغلقة منذ خمس سنوات، دون أن تفتح أبوابها في وجوه النساء”.
معاناة نساء سيدي بوعثمان لا تقتصر فقط على المستشفى، إذ تجدن أنفسهن في روتين دائم، بسبب غياب مرافق عمومية ومساحات خضراء تكون متنفسا لهن وتخرجهن من عزلتهن. فعلى مقربة من مقر الجماعة، توجد حديقتان مهجورتان، تحولتا بقدرة قادر إلى مرتع للراغبين في التدخين، دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم عناء إعادة الاعتبار إليهما واستغلالهما لتصيرا قبلة للساكنة.

فاقد الشيء لا يعطيه
لا يمكن الحديث عن تنمية، طالما أن فاقد الشيء لا يعطيه، هذا هو حال لسان سكان سيدي بوعثمان، الذين يتهمون المجالس المتعاقبة بسوء التسيير والعجز عن إيجاد حلول لإخراج المنطقة من سباتها.
الناشط الحيداوي أرجع سبب التقهقر إلى المسيرين، حيث أكد أن مستواهم الثقافي والعلمي المتردي يجعلهم دون مستوى تطلعات الساكنة، لا سيما أن مستواهم لا يتجاوز الثالثة إعدادي في أقصى تقدير.
ولفت المتحدث نفسه إلى أن بعض هؤلاء لا تهمهم المصلحة العليا للساكنة بقدر ما يجتهدون في مراكمة الأموال والصراع على كرسي الرئاسة واستغلال سيارات الدولة في مآرب شخصية.
خالد شاطر، العضو المنتمي إلى صفوف حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، أكد أن مستشاري المعارضة مثل باقي الجمعيات والساكنة “لا نعتقد بل نجزم بأنه ليس لدينا مجلس يساير تطلعات المواطنين، شبه مجلس يتخبط ما بين قصر النظر والوصاية المفروضة”.
ويردف المستشار الجماعي، وهو من أبناء الجالية المغربية المقيمة بفرنسا، أن الأعضاء المشكلين لأغلبية المجلس والذين يسيرونه “لا تعنيهم مصلحة المنطقة في شيء، ولا أدل على ذلك مشروع تهيئة حي الشمس وما يشوبه من خروقات كارثية”.
وبالرغم من الموقع الإستراتيجي الذي توجد به سيدي بوعثمان، على مقربة من مراكش، فإن الناشط يوسف الموساوي يرى أن الأزمة التنموية التي تعرفها الجماعة بمختلف المجالات ترجع بالأساس إلى “الأزمة التدبيرية للهيئات السياسية الممثلة في المجلس المسير والذي يعيد إنتاج نفس نمط التدبير القديم الحديث الذي يراهن على التوافقات المرحلية بين أعضاء هذه الهيئات، في تغييب واضح وصريح لمخططات تنموية تجابه الصعوبات والإكراهات لمعالجة المشاكل التي تتخبط فيها المدينة والتي قلصت من فرص تنمية المنطقة”.

شباب بدون.. !
معاناة ساكنة سيدي بوعثمان لا تقتصر على غياب المرافق الاجتماعية وغيرها، تتجاوزها إلى غياب فرص شغل لفائدة شبابها، بالرغم من وجود حي صناعي توجد به بعض الشركات.
شباب هذه الجماعة يعانون الأمرين: غياب مرافق للتكوين لولوج سوق الشغل، وشركات ترفض تشغيلهم بدعوى عدم الكفاءة؛ وهو ما يجعلهم بدون عمل.
ويقول الناشط العيداوي، في تصريحه، إن “المنطقة الصناعية التي كنا نحلم بها، وبكونها ستحل أزمة البطالة في صفوف شباب المنطقة، لم تف بذلك، إذ إن غالبية عمال الوحدات الصناعية من أبناء ابن جرير أو مراكش، أما أبناء المنطقة فيتم رفض تشغيلهم”.
من جهته، أكد يوسف الموساوي أن المنطقة الصناعية “لم تستطع استيعاب جحافل العاطلين عن العمل، سواء بسبب سيطرة الزبونية أو لغياب مراكز التأهيل التي تسهر على تكوينات توازي نمط عمل الوحدات الصناعية”.
بدوره، اعتبر الطالب الجامعي محسن الروكي أن التشغيل يعد “الطامة الكبرى؛ ذلك أن غالبية الشباب الحاصلين على شواهد عليا بالمنطقة يقتلهم الفراغ والتهميش وغياب فرص للشغل، بسبب عدم تشجيع الاستثمار وغياب وكالة أنابيك، ناهيك عن عدم استفادة شباب الجماعة من فرص الشغل بالمجمع الشريف للفوسفاط بابن جرير وجمعية الموارد البشرية بالرحامنة”.
كما أكد المتحدث نفسه أن المنطقة الصناعية لا توفر فرصا لشباب المنطقة، ذلك أن الشركات الموجودة بهذه المنطقة تفضل اليد العاملة القادمة من مراكش وابن جرير على هؤلاء.
خالد شاطر، العضو المعارض، أكد، في تصريحه للجريدة، أن الحي الصناعي يستفيد منه شبان من خارج المنطقة ويتم استثناء شباب الجماعة، مشيرا إلى أنه “سبق أن طرحنا ضرورة منح الساكنة الأولوية، وأن تكون هناك كوطا لفائدتهم؛ لكن دون جدوى”، مضيفا “مديري هذه الشركات أسروا لنا، في مناسبات عديدة، بأن مسؤولين طلبوا منهم عدم تشغيل شباب المنطقة، وفي حال تم ذلك فيجب منحهم مبالغ زهيدة مقارنة مع العمال الأجانب.. باش ما يضسروش علينا”.

المجلس: اليد قصيرة
في ظل غياب بوادر تنمية بالمنطقة، وفي ظل الانتقادات الموجهة إلى المسيرين بسبب غياب مشاريع قادرة على النهوض بالساكنة من سباتها، طرقنا باب المجلس الجماعي لسيدي بوعثمان، الذي رمى الكرة بعيدا عن مرماه.
شهيد الحوف، النائب الثاني لرئيس المجلس، أكد أن ميزانية البلدية محدودة لا تتجاوز 800 مليون سنتيم؛ وهو الرصيد الذي لا يمكنها من القيام بمشاريع تعود بالنفع على الساكنة، حيث أوضح في هذا الصدد “ميزانية البلدية تصل إلى 800 مليون سنيتم، ونسبة كبيرة منها تصل إلى 75 في المائة مخصصة لميزانية التسيير، بينما الفائض السنوي لا يتجاوز 120 مليون سنتيم”.
ولفت نائب الرئيس، مدافعا عن تجربتهم في التسيير، إلى أن الفائض السنوي من الميزانية “لا تكفي لإنجاز أي مشروع”، مضيفا أن “جمعيات المجتمع المدني تتوصل بما يناهز 20 مليون سنتيم؛ غير أنها لا تقدم شيئا”.
واعتبر المتحدث نفسه، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المجلس وضع مجموعة من المشاريع؛ غير أن هناك أزمة عقار تعرفها الجماعة، الشيء الذي يجعل إنجازها مؤجلا.
لا يقتصر الأمر على ذلك، يضيف العضو المذكور، أن السلطات تعد المجلس بمجموعة من المشاريع؛ غير أنها لا تخرج إلى حيز الوجود قائلا: “نحضر للاجتماعات، ونحصل على وعود نقدمها بدورنا إلى الساكنة؛ لكنها لا تتحقق، ما يجعلنا في موقف حرج مع المواطنين”.
وأوضح المتحدث نفسه أن المجلس الجماعي يقوم بإشراك الجميع، بمن فيهم أعضاء المعارضة، في اتخاذ أي إجراء، بعيدا عن منطق الإقصاء.
وأشار العضو المذكور إلى أن “هناك مجموعة من المشاريع التي ستعرفها المنطقة وهي قيد الدراسة والبحث؛ من بينها مشاريع اقتصادية على غرار مركب تجاري، إلى جانب دراسة مجاري الصرف الصحي وغيرها”.

المصدر: هسبريس- عبد الإله شبل