اخبار جهة مراكش | الجمعة 23 يونيو 2017 - 14:07

أسطورة الحافلات الكهربائية بمراكش.. من يصدق العمدة بلقايد بعد اليوم؟

  • Whatsapp

عبد الصمد الكباص (عن جريدة الاتحاد الاشتراكي)

من يصدق عمدة مراكش محمد العربي بلقايد بعد اليوم؟ ومن سيحمل كلامه محمل الجد؟ فقد حول الرجل “الحافلات الكهربائية” إلى أسطورة كبرى للمدينة الحمراء، يسمع الناس عنها و لا يرونها. و جعلهم وعده الذي أطلقه بثقة مفرطة بكون هذه الحافلات ستجوب شوارع المدينة مع حلول شهر أبريل 2017، يشعرون بأن الموضوع بكامله لم يكن أكثر من كذبة بائدة من أكاذيب أبريل.
انصرم الشهر الرابع من السنة، وانتظر طيبو النية ثلاثة أشهر أخرى بعده، عسى أن تظهر أخيرا هذه الحافلات، فكان نصيبهم من ذلك خيبة الرجاء. وتحول إلى ما يشبه اليقين أن عمدة المدينة، يطلق الكلام على عواهنه. يعد ولا يفي بما أطلقه من وعد. فأضحت هذه الحافلات وهما ضخما تأسس في الخطاب أكثر مما عثر على سبيله للتحقق في الطرق و الشوارع التي اقتُطع جزؤُها الأكبر وحُجز لمرور هذه العربات الخيالية. فصارت الإحراج اليومي لعمدة مراكش و طاقمه، الإحراج الذي يطارده في عيون الساكنة الذين كانوا يعولون على الأحسن في هذه التجربة من التدبير.
الحافلات الكهربائية، صارت الإشارة المركزية لمحنة عملاقة بمراكش. فالناس انتظروا كثيرا، أكثر من اللازم، وصبروا طويلا على هذا القهر اليومي المسلط عليهم لسبب لا يعرفونه، والناتج عن إكراههم على الاكتظاظ اليومي في ممرات ضيقة أشبه بأزقة المدينة العتيقة. إنهم يتساءلون هل صادف أن مر عمدة مدينتهم من شارع الحسن الثاني، الذي حُجز الفضاءُ الأكبر منه لمرور حافلات خيالية، صارت اليوم أشبه بالأحجية أو النكتة التي يتندر بها الناس. هل حدث أن اصطف كباقي الخلق في ذلك الطابور المختنق المتواصل من العربات وخاصة بالمقطع الذي يبدأ بالقرب من الوقاية المدنية والقيادة الجهوية للدرك في اتجاه أحياء المسيرة، حيث يتحول ذلك الممر الحاد في ضيقه المتروك لحركة المرور، إلى تعذيب مسترسل لكل مستعملي الطريق، تعذيب فائق القسوة بكل ما يحمله هذا اللفظ من تهديد لحياة الناس وصحتهم.
الحافلات الكهربائية، هي أيضا علامة فادحة على ارتباك العمدة ومجلسه الجماعي الذي أضحى ميؤوسا منه في قيادة المدينة نحو الأحسن. لأن العمدة تسلم هذا المشروع جاهزا، ولم يكن أمامه سوى إتمام ذلك القليل المتبقي لتكون الحافلات فائقة الجودة تسير على الأرض ناقلة سكان المدينة في ظروف مريحة، وموفرة وسيلة نقل جماعية تسمح بالتخفيف من الضغط المميت الذي تعرفه شوارع مراكش. لكن رئيس المجلس الجماعي، اختار طريقا ملتويا: بكل ما يتضمنه ذلك من إبرام صفقات جديدة بحث عنها في أقاصي الأرض، واستعمل انعقاد الكوب22 ذريعة لتحويل المشروع، مستثمرا الدعاية الإيكولوجية التي صاحبت هذا الحدث، مبديا حماسا أكبر لحافلات صديقة للبيئة تسير بطاقة أنظف. ظهر بعضها في الشارع كقطعة من الزينة التي صاحبت قمة المناخ، واختفى إثرها بعد مغادرة ضيوف القمة. لم يخرج ذلك عن عادة مؤسفة: الدعاية الفارغة المشدودة إلى المزايدة، و اقتصار الاهتمام على الواجهة..
هل هو نقص حاد في منسوب الشجاعة والجرأة، الذي يجعل العمدة يعجز عن مكاشفة ساكنة مدينته بحقيقة الأمر و بالسبب الفعلي وراء هذا التعثر والارتباك المكلف، المنعكس بالسوء على جودة الحياة والمتسبب في سخط لا حدود له يغلي في النفوس. فتارة ينسب ذلك إلى انقطاع الصلة بالشركة الصينية المصنعة للحافلات، و تارة بانتظار الحصول على شهادة المطابقة من مختبر أوروبي، و تارة وجد المشجب في منصات الشحن التي لم تتوفر بعد، لكن في نهاية المطاف ما يعرفه المواطنون أن قضاياهم الحقيقية المقلقة، صارت مجرد عثرة في نسيان العمدة وطاقمه، عثرة ليس من المجدي العناية بها بما يلزم من مسؤولية وجدية وصدق.
أحجية الحافلات الكهربائية، لا تستدعي فقط مسؤولية رئيس المجلس الجماعي لمدينة مراكش و طاقمه، الذي لم يعد يذكر اسمه في الشهور الأخيرة، إلا في شكايات المدافعين عن المال العام من التبديد الموجهة إلى النيابة العامة، بل تستدعي أيضا مسوؤلية والي الجهة، وحياده المولد لطوفان من التذمر، اتجاه ملف حارق طفح فيه الكيل، إذ لم يعد بالإمكان القبول بهذا التصرف العبثي، الذي فشل كبار المؤولين في إيجاد معنى له، عدا كونه مظهرا آخر من مظاهر الاستهتار بقضايا المدينة، و قضايا ساكنتها، و استخفافا بحجم الثقل الذي يمارسه هذا التنكيل اليومي بمستعملي الطريق. كثيرون تساءلوا: ألم ينتبه والي مراكش، كثير الحركة والتجوال بمختلف فضاءات المدينة، إلى فداحة ما يخلفه هذا التأخر السوريالي في إطلاق هذه الحافلات من خسائر يومية بكلفة باهظة تطال حياة الناس ووقتهم و تزيد في حقينة سخطهم.
من يستطيع أن يصدق عمدة مراكش بعد اليوم، أو يثق في مهاراته التدبيرية؟ فقد سجل على الرجل أنه تسرع في إبرام صفقة بالصين لم يكن متمكنا بتفاصيلها و قصة الأعمدة اللازمة لعمل الحافلات كافية لإثبات ذلك، مثلما سجل على المجلس الذي يرأسه تعرجات كثيرة في القرار، سواء فيما يتعلق بتعيين من يشغل منصب المدير العام لشركة التنمية المحلية التي أوكل لها أمر الإشراف على تسيير هذا المرفق، أو تدبير ملف الصيانة و توفير سائقي هذه الحافلات، وغيرها من القرارات التي تطاردها حزمة من الشكوك.
لاشيء يدعو للقلق لدى مسؤولي مراكش في تحرق المراكشيين وهم يتجرعون نتائج هذا الارتجال العبثي الذي لا يخلو من دلالة في ظرف تتأجج فيه النفوس و تغلي وهي تعاين الكمية المتزايدة من هذا الاستهتار بالمال العام. فالعادي والبادي يعرف بحرقة كبيرة أن 15 حافلة كهربائية مستقدمة من الصين دفعت من أجلها الملايير، مرمية تحت أشعة الشمس و الأمطار تتعرض بمستودع بلدي للتلف و الصدأ. وأن الملايير أنفقت لإعداد الطريق الخاص بهذه الحافلات الممنوحة عطلة مفتوحة لا أحد يعرف نهايتها.
في مراكش، أعاد المجلس الجماعي للمدينة استعارة الوقت إلى تجليها الأقصى. فقد رأى عدد من الأجانب الذين كتبوا عن المدينة في نهاية القرن 19 و بداية القرن العشرين، أن الوقت بها لا يحتمل قيمته المعهودة في باقي بقاع العالم، إذ هو هنا مجرد استعارة لعامل البطء ونسيان الزمن، حيث ينعدم الفارق مطلقا بين التأخر والإسراع. ذلك بالضبط ما أعادتنا إليه أسطورة الحافلات الكهربائية، وتصرف المجلس الجماعي ورئيسه معها، الذي أكد بملموس الفعل أن للوقت ثمن جد بخس في مدينة النخيل، لذلك لا خسارة تذكر في أي تأخر و لو دام لسنوات ، ولا موجب في ذلك للحسرة أو الغضب..
لا يبدو أن الحافلات الكهربائية، هي الخيبة الوحيدة في عهد العمدة الحالي. فقد كانت مدة ولايته كفيلة بتحويل فرص تدخل المجلس الجماعي في الحياة العامة للمدينة وساكنتها، إلى مولد للفوضى التي عمت كل شيء: مواقف السيارات ، حركة السير والجولان، في الأسواق والأحياء .. حتى أن المدينة أضحت كما لو أصيبت بتلف كبير في جهاز مناعتها الحضرية، فلا شيء منها يذكر اليوم بأنها مدينة حقيقية. ومع ذلك ستظل أحجية الحافلات الكهربائية التي ستجوب شوارع المدينة الوهم الأكبر الذي كلف 40 مليار أنفقت من أجل انتظار لا ينتهي، من أجل الفوضى و الثرثرة و الكثير من المحن ، وهو الاختصاص الوحيد لمجلس أضحى نموذجيا في مراكمة الخيبات …